الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
حذف الخبر نحو : أكلها دائم وظلها ( الرعد : 35 ) أي : وظلها دائم .

وقوله في سورة ص بعد ذكر من اقتص ذكره من الأنبياء ، فقال : هذا ذكر ( ص : 49 ) ثم لما ذكر مصيرهم إلى الجنة وما أعد لهم فيها من النعيم قال : هذا وإن للطاغين لشر مآب جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا ( ص : 55 - 56 - 57 ) [ ص: 211 ] قد أشارت الآية إلى مآل أمر الطاغين ، ومنه يفهم الخبر .

وقوله : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ( الزمر : 22 ) أي : أهذا خير أمن جعل صدره ضيقا حرجا ، وقسا قلبه ، فحذف بدليل قوله : فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ( الزمر : 22 ) .

وقوله تعالى : قالوا لا ضير ( الشعراء : 50 ) .

ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت ( سبأ : 51 ) .

وقوله : والسارق والسارقة فاقطعوا ( المائدة : 38 ) قال سيبويه : الخبر محذوف ، أي : فيما أتلوه السارق والسارقة ، وجاء فاقطعوا جملة أخرى .

وكذا قوله : الزانية والزاني ( النور : 2 ) فيما نقص لكم .

وقال غيره : السارق مبتدأ ، " فاقطعوا " خبره ; وجاز ذلك ; لأن الاسم عام ; فإنه لا يريد به سارقا مخصوصا ; فصار كأسماء الشرط ; تدخل الفاء في خبرها لعمومها ، وإنما قدر سيبويه ذلك لجعل الخبر أمرا ، وإذا ثبت الإضمار فالفاء داخلة في موضعها تربط بين الجملتين ، ومما يدل على أنه على الإضمار إجماع القراء على الرفع ; مع أن الأمر الاختياري فيه النصب ، قال : وقد قرأ ناس بالنصب ; ارتكانا للوجه القوي في العربية ، ولكن أبت العامة إلا الرفع ، وكذا قال في قوله تعالى : مثل الجنة التي وعد المتقون ( الرعد : 35 ) مثل ، [ ص: 212 ] هنا خبر مبتدأ محذوف ، أي : فيما نقص عليكم مثل الجنة ، وكذا قال أيضا ، في قوله تعالى : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ( النساء : 16 ) إنه على الإضمار .

وقد رد بأنه أي ضرورة تدعو إليه هنا ؟ فإنه إنما صرنا إليه في السارق ونحوه لتقديره دخول الفاء في الخبر ، فاحتيج للإضمار حتى تكون الفاء على بابها في الربط ; وأما هذا فقد وصل بفعل هو بمنزلة : الذي يأتيك فله درهم .

وأجاب الصفار بأن الذي حمله على هذا أن الأمر دائر مع الضرورة كيف كان ; لأنه إذا أضمر فقد تكلف كما قلت ، وإن لم يضمر كان الاسم مرفوعا وبعده الأمر ، فهو قليل بالنظر إلى " للذين يأتيانها " فكيفما عمل لم يخل من قبح .

وإن قدر منصوبا ، وجاء القرآن بالألف على لغة من يقول : " الزيدان " في جميع الأحوال وقع أيضا في محذور آخر ; فلهذا قدره هذا التقدير ; لأن الإضمار مع الرفع يتكافآن .

وقوله : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ( فصلت : 41 ) ، الخبر محذوف أي : يعذبون ، ويجوز أن يكون الخبر أولئك ينادون من مكان بعيد ( فصلت : 44 ) .

وقوله : لولا أنتم لكنا مؤمنين ( سبأ : 31 ) فأنتم مبتدأ والخبر محذوف ; أي : حاضرون ، وهو لازم الحذف هنا .

[ ص: 213 ] وقوله تعالى : وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ( المائدة : 5 ) أي : حل لكم كذلك .

وأما قوله تعالى : وقالت اليهود عزير ابن الله ( التوبة : 30 ) أما على قراءة التنوين فلا حذف ; لأنه يجعله مبتدأ ، و " ابن الله " خبر ; حكاية عن مقالة اليهود ، وأما على قراءة من لم ينون ; فقيل : إنه صفة ، والخبر محذوف ، أي : عزير ابن الله إلهنا ، وقيل : بل المبتدأ محذوف ، أي : إلهنا عزير ، وابن صفة .

ورد بوجهين : أحدهما : أنه لا يطابق وقالت النصارى المسيح ابن الله ( التوبة : 30 ) .

والثاني : أنه يلزم عليه أن يكون التكذيب ليس عائدا إلى البنوة ، فكذب لأن صدق الخبر وكذبه راجع إلى نسبة الخبر لا إلى الصفة ، فلو قيل : زيد القائم فقيه ، فكذب انصرف التكذيب لإسناد فقهه ; لا لوصفه بالقائم .

وفيه نظر ; لأن الصفة ليست إنشاء فهي خبر ، إلا أنها غير تامة الإفادة ، فيصح تكذيبها ، والأولى تقويته ، وأن يقال : الصفة والإضافة ونحوهما في المسند إليه لواحق بصورة الإفراد ; أي : يريد أن يصوره بهيئة خاصة ، ويحكم عليه كذلك ، لكن لا سبيل إلى كذبها ، مع أنها تصورت ، فالوجه أن يقال : إن كذب الصفة بإسناد مسندها إلى معدوم الثبوت ، ونظير هذه المسألة في الفقه ما لو قال : والله لا أشرب ماء هذا الكوز ، ولا ماء فيه .

وقال بعضهم : ( عزير ابن الله ) ( التوبة : 30 ) خبر الجملة ، أي : حكى فيه لفظهم ، أي : قالوا : هذه العبارة القبيحة ; وحينئذ فلا يقدر خبر ولا مبتدأ .

[ ص: 214 ] وقيل : " ابن الله " خبر ، وحذف التنوين من " عزير " للعجمة والعلمية .

وقيل : حذف تنوينه لالتقاء الساكنين ; لأن الصفة مع الموصوف كشيء واحد كقراءة : قل هو الله أحد الله الصمد ( الإخلاص : 1 - 2 ) على إرادة التنوين ، بل هنا أوضح ; لأنه في جملة واحدة .

وقيل : " ابن الله " نعت ولا محذوف ، وكأن الله تعالى حكى أنهم ذكروا هذا اللفظ إنكارا عليهم إلا أن فيه بعدا ; لأن سيبويه قال : إن قلت : وضعته العرب لتحكي به ما كان كلاما لا قولا ، وأيضا إنه لا يطابق قوله : وقالت النصارى المسيح ابن الله ( التوبة : 30 ) والظاهر أنه خبر والقولان منقولان .

والصحيح في هذه القراءة أنه ليس الغرض إلا أن اليهود قد بلغوا في رسوخ الاعتقاد في هذا الشيء إلى أن يذكرون هذا النكر ، كما تقول في قوم تغالوا في تعظيم صاحبهم : أراهم اعتقدوا فيه أمرا عظيما ثابتا ، يقولون : زيد الأمير .

ما يحتمل الأمرين قوله تعالى : فصبر جميل ( يوسف : 18 ) يحتمل حذف الخبر ، أي : أجمل ، أو حذف المبتدأ ، أي : فأمري صبر جميل ، وهذا أولى لوجود قرينة حالية - هي قيام الصبر به - دالة على المحذوف ، وعدم قرينة حالية أو مقالية تدل على خصوص الخبر ، وأن الكلام مسوق للإخبار بحصول الصبر له واتصافه به ، وحذف المبتدأ يحصل ذلك دون حذف الخبر ; لأن معناه أن الصبر الجميل أجمل ممن ; لأن المتكلم متلبس به .

وكذلك يقوله من لم يكن وصفا له ; ولأن الصبر مصدر ، والمصادر معناها الإخبار ; فإذا حمل على حذف المبتدأ فقد أجري على أصل معناه ; من استعماله خبرا وإذا حمل على حذف الخبر فقد أخرج عن أصل معناه .

[ ص: 215 ] ومثاله قوله : طاعة معروفة ( النور : 53 ) أي : أمثل ، أو أولى لكم من هذا ، أو أمركم الذي يطلب منكم .

ومثله قوله في : سورة أنزلناها ( النور : 1 ) إما أن يقدر : فيما أوحينا إليك سورة ، أو هذه سورة .

وقد يحذفان جملة ، كقوله تعالى : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ( الطلاق : 4 ) الآية .

التالي السابق


الخدمات العلمية