الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كتابة المرتد من المالكين والمملوكين

( قال الشافعي ) : رضي الله عنه إذا ارتد الرجل عن الإسلام فكاتب عبده قبل أن يقف الحاكم ماله فكتابته جائزة ، وكذلك كل ما صنع في ماله فأمره فيه جائز ، كما كان قبل الردة ، فإذا وقف الحاكم ماله حتى يموت ، أو يقتل على الردة فيصير ماله يومئذ فيئا ، أو يتوب فيكون على ملكه لم تجز كتابته ، وإذا كاتب المرتد عبده أو كاتبه قبل يرتد ثم ارتد فالكتابة ثابتة ، قال : ولا أجيز كتابة السيد المرتد ولا العبد المرتد عن الإسلام إلا على ما أجيز كتابة المسلم وليس ولاء واحد منهما كالنصرانيين .

ومن لم يسلم قط فيترك على ما استحل في دينه ما لم يتحاكم إلينا ولو تأدى السيد المرتد من مكاتبه المسلم أو المرتد كتابة حراما عتق بها ورجع عليه بقيمته ، وكذلك كل كتابة فاسدة تأداها منه عتق بها وتراجعا بالقيمة كما وصفت في الكتابة الفاسدة ولو لحق السيد بدار الحرب وقف الحاكم ماله وتأدى مكاتبته فمتى عجز ، فللحاكم رده في الرق .

ومتى أدى عتق وولاؤه للذي كاتبه ، وإن كان مرتدا ; لأنه المالك العاقد للكتابة وإذا عجز الحاكم المكاتب فجاء سيده تائبا فالتعجيز تام على المكاتب إلا أن يشاء السيد والعبد أن يجددا الكتابة .

وإذا وقف الحاكم ماله نهى مكاتبه عن أن يدفع إلى سيده شيئا من نجومه ، فإذا دفعها إليه لم يبرئه منها وأخذه بها ، ولو أن رجلا كاتب عبدا له فارتد العبد المكاتب وهو في دار الإسلام ، أو لحق بدار الحرب فهو على الكتابة بحالها لا تبطلها الردة .

وكذلك لو كان العبد ارتد أولا ، ثم كاتبه السيد وهو مرتد كانت الكتابة جائزة أقام العبد في بلاد الإسلام ، أو لحق بدار الحرب ، فمتى أدى الكتابة فهو حر وولاؤه لسيده ومتى حل نجم منها وهو حاضر أو غائب ولم يؤده فلسيده تعجيزه ، كما يكون له في المكاتب غير المرتد ، وإذا قتل على الردة ، أو مات قبل أداء الكتابة فماله لسيده ولا يكون مال المكاتب فيئا بلحوقه بدار الحرب ; لأن ملكه لم يتم عليه وما ملك المكاتب موقوف على أن يعتق فيكون له أو يموت فيكون ملكا لسيده وسواء ما اكتسب ببلاد الحرب ، أو بلاد الإسلام فإن مات ، أو قتل وهو مكاتب فهو ملك لسيده .

[ ص: 42 ] المسلم الذي كاتبه لا يكون فيئا ولا غنيمة ولو أوجف عليه بخيل ، أو ركاب ; لأنه ملك للسيد المسلم ولو ارتد المكاتب ولحق بدار الحرب بشيء فوقع في المقاسم ، أو لم يقع فهو لسيده وماله كله وكذلك لو أسر ، ثم سبي كان لسيده ( قال الشافعي ) : فإن أدى فعتق وهو مرتد ببلاد الحرب فسبي فهو وماله غنيمة ; لأنه قد تم ملكه على ماله غير أنه إن ظفر به وهو مكاتب ، أو حر استتيب فإن تاب وإلا قتل مكاتبا وماله للسيد ، وإن عرض قبل أن يقتل أن يدفع إلى سيده ماله مكانه أجبر سيده على قبضه وعتق وقتل وكان ماله فيئا ، وإن لم يدفع حتى يقتل فماله كله لسيده إذا كان سيده مسلما .

ولو كان السيد المرتد والمكاتب المسلم فإن عجز المكاتب وقتل السيد ، أو مات على الردة فالمكاتب وماله فيء ; لأنه مال للمرتد وإذا أدى فعتق فما أدى من الكتابة فمال المرتد يكون فيئا ، وما بقي في يده فمال العبد الذي عتق بالكتابة لا يعرض له .

وإذا كاتب الرجل عبده ، ثم ارتد عن الإسلام فما قبض في ردته من كتابته قبل يحجر عليه فالمكاتب منه بريء ، وما قبض بعد الحجر منه فللوالي أخذه بنجومه ولا يبرئه منه ، فإن أسلم المولى وقد أقر بقبضه منه أبرأه الوالي فما قبض المولى منه إن كان قبض منه في الردة نجما ، ثم سأله الوالي ذلك النجم فلم يعطه إياه فعجزه وأسلم المرتد ألغى التعجيز عن المكاتب ; لأنه لم يكن عاجزا حيث دفع إلى سيده وهو يخالف المحجور في هذا الموضع ; لأن وقف الحاكم ماله إنما كان توفيرا على المسلمين إن ملكوه عنه بأن يموت قبل يتوب ولم يكن عليه ضرر وتاب في وقفه عنه ألا ترى أنه ينفق عليه منه ويقضي منه دينه وتعطى منه جنايته ، وهذا دليل على أنه في ملكه .

وإذا ارتد العبد عن الإسلام وكاتبه سيده جازت كتابته ، فإن لحق بدار الحرب ومعه عبد آخر في الكتابة أخذت من الآخر حصته وعتق من الكتابة بقدره ولم يؤخذ من حصة المرتد شيء ، وكذلك الأمة المرتدة تكاتب فإن ولدت في الكتابة فمتى عجزت فولدها رقيق ومتى عتقت عتقوا .

وإذا سبي مكاتب مسلم فسيده أحق به وقع في المقاسم أو لم يقع ، وإن اشتراه رجل في بلاد الحرب بإذنه رجع عليه بما اشتراه به إلا أن يكون أكثر من قيمته ، وإن اشتراه بغير إذنه لم يرجع عليه بشيء .

وإذا كاتب العبد وهو في بلاد الحرب فخرج العبد مسلما وترك مولاه بها مشركا فهو حر ولا كتابة عليه ، وكذلك لو خرج مسلما وهو مكاتب فإن كان سيده مسلما في بلاد الحرب فلا يعتق بخروجه ، وهو على ما كان عليه في بلاد الحرب ولو خرج سيد المكاتب بعده بساعة لم يرد في الرق ولم يكن له ولاؤه ; لأنه لم يعتق ولو كاتب مسلم عبدا له مسلما فارتد قبل السيد ، ثم ارتد السيد ، أو ارتد السيد ، ثم ارتد العبد ، أو ارتدا معا فسواء ذلك كله ، والكتابة بحالها فإن أدى المكاتب إلى السيد قبل أن يوقف ماله عتق ، وسواء رجع المكاتب إلى الإسلام ، أو لم يرجع إذا أدى إلى السيد في أن يعتق العبد بالأداء وكل حال ، وكذلك سواء رجع السيد إلى الإسلام ، أو لم يرجع في أن يعتق العبد بالأداء ولو جاء العبد إلى الحاكم فقال : هذه كتابتي فاقبضها ، فإن سيدي قد ارتد لم يكن له أن يعجل بقبضها حتى ينظر ، فإن كان مرتدا قبضها وأعتقه ووقفها ، فإن رجع سيده إلى الإسلام إليه الكتابة ، وإن لم يرجع حتى مات ، أو قتل على الردة كانت الكتابة فيئا كسائر ماله .

التالي السابق


الخدمات العلمية