الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وفجرنا الأرض عيونا وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون متفجرة وأصله فجرنا عيون الأرض فغير إلى التمييز للمبالغة بجعل الأرض كلها متفجرة مع الإبهام والتفسير ، فالتمييز محول عن المفعول ، وجعله بعضهم محولا عن الفاعل بناء على أنه الأكثر ، الأصل انفجرت عيون الأرض وتحويله كما يكون عن فاعل الفعل المذكور يكون عن فاعل فعل آخر يلاقيه في الاشتقاق - وهذا منه - وهو تكلف لا حاجة إليه ، ومنع بعضهم مجيء التمييز من المفعول فأعرب عيونا حالا مقدرة ، وجوز عليه أن يكون مفعولا ثانيا لفجرنا على تضمينه ما يتعدى إليه أي صيرنا بالتفجير الأرض عيونا وكان ذلك على ما في بعض الروايات أربعين يوما ، وقرأ عبد الله وأصحابه وأبو حيوة والمفضل عن عاصم «فجرنا » بالتخفيف فالتقى الماء أي ماء السماء وماء الأرض ، والإفراد لتحقيق أن التقاء الماءين لم يكن بطريق المجاورة بل بطريق الاختلاط والاتحاد ، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه والحسن ومحمد بن كعب والجحدري - الماءان - والتثنية لقصد بيان اختلاف النوعين وإلا فالماء شامل لماء السماء وماء الأرض ، ونحوه قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      لنا إبلان فيهما ما علمتم فعن أيها ما شئتم فتنكبوا



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : فيها إشارة إلى أن ماء الأرض فار بقوة وارتفع حتى لاقى ماء السماء وفي ذلك مبالغة لا تفهم من الإفراد ، وقرأ الحسن أيضا - ماوان - بقلب الهمزة واوا كقولهم : علباوان كما قال الزمخشري ، ولم يرد أنه نظيره بل أراد كما أن هنالك إبدالا بعلة أنها غير أصلية لأنها زائدة للإلحاق كذلك ها هنا لأنها مبدلة والبدل وإن كان من الهاء لكنها أجريت مجرى البدل عن الواو قاسه على النسبة كذا في الكشف ، وعنه أيضا المايان بقلب الهمزة ياء . على أمر قد قدر أي كائنا على حال قد قدرها الله تعالى في الأزل من غير تفاوت أو على حال قدرت وسويت وهي أن ما نزل على قدر ما خرج .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إن ماء الأرض علا سبعة عشر ذراعا ونزل ماء السماء مكملا أربعين ، وقيل : ماء الأرض كان أكثر وله مقدار معين عند الله عز وجل ، أو على أمر قدره الله تعالى وكتبه في اللوح المحفوظ وهو هلاك قوم نوح بالطوفان .

                                                                                                                                                                                                                                      ورجحه أبو حيان بأن كل قصة ذكرت بعد ذكر الله تعالى فيها هلاك المكذبين فيكون هذا كناية عن هلاك هؤلاء ، ( وعلى ) عليه للتعليل ، ويحتمل تعلقها بالتقى . وفيه رد على أهل الأحكام النجومية حيث زعموا أن الطوفان لاجتماع الكواكب السبعة ما عدا الزهرة في برج مائي ، وقرأ أبو حيوة وابن مقسم « قدر » بتشديد الدال

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية