الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ما تجوز عليه الكتابة

أخبرنا الربيع بن سليمان قال : ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى أذن الله عز وجل بالمكاتبة ، وإذنه كله على ما يحل ، فلما كانت المكاتبة مخالفة حال الرق في أن السيد يمنع مال مكاتبه وأن مكاتبه يعتق بما شرط له سيده إذا أداه كان بينا أن المكاتبة لا تجوز إلا على ما تجوز عليه البيوع والإجارات بأن تكون بثمن معلوم إلى أجل معلوم وبعمل معلوم وأجل معلوم ، فما جاز بين الحرين المسلمين في الإجارة والبيع جاز بين المكاتب وسيده وما رد بين الحرين المسلمين في البيع والإجارة رد بين المكاتب وسيده فيما يملك بالكتابة لا يختلف ذلك فيجوز أن يكاتبه على مائة دينار موصوفة الوزن والأعيان إلى عشر سنين ، وأول السنين سنة كذا وآخرها سنة كذا تؤدي في انقضاء كل سنة من هذه العشر السنين كذا وكذا دينارا ، ولا بأس أن تجعل الدنانير في السنين مختلفة ، فيؤدي في سنة دينارا وفي سنة خمسين وفي سنة ما بين ذلك إذا سمى كم يؤدي في كل سنة ولا خير في أن يقول : أكاتبك على مائة دينار تؤديها في عشر سنين ; لأنها حينئذ تحل بانقضاء العشر السنين فتكون نجما واحدا ، والكتابة لا تصلح على نجم واحد ، أو تكون تحل في العشر السنين فلا يدري في أولها تحل أو في آخرها ، وكذلك لا خير في أن يقول : أكاتبك على أن لا تمضي عشر سنين حتى تؤدي إلي مائة دينار .

وكذلك لو قال : تؤدي إلي في عشر سنين مائة دينار كيف يخف عليك ، غير أن العشر السنين لا تنقضي حتى تؤديها ، وذلك أنهما لا يدريان حينئذ كم يؤدي في كل وقت ، وكذلك لا خير في أن يقول : أكاتبك على مائة دينار ، أو على ألف درهم ، وإن سمى لها آجالا معلومة ; لأنه لا يدري حينئذ على أي شيء الكتابة ، وكذلك لو قال : أكاتبك على مائة دينار تؤديها إلي كل سنة عشرة دنانير على أنك تدفع إلي عند رأس كل سنة بالعشرة الدنانير مائتي درهم ، أو عرض كذا لم يجز من قبل أن المكاتبة وقعت بعشر دنانير في كل سنة ، وأنه ابتاع بالعشرة دراهم ، والعشرة دين فابتاع دراهم دينا بدنانير دين ، وهذا حرام من جهاته كلها ، وكذلك إن قال : ابتعت منك إذا حلت عرضا ; لأن هذا دين بدين والدين بالدين لا يصلح وزيادة فساد من وجه آخر ، ويجوز أن يكاتبه بعرض وحده ونقد ، وإذا كاتبه بعرض لم يجر إلا أن يكون العرض موصوفا والأجل معلوما كما لا يجوز أن يشتري إلى أجل إلا إلى أجل معلوم وصفة معلومة يقام عليهما ، وإذا كان العرض في الكتابة لم يجز إلا أن يكون كما يكون في أن يسلف في العرض سواء لا يختلفان فإن كان العرض ثيابا قال : ثوب مروي طوله كذا وكذا وعرضه كذا وصفيق ، أو رقيق جيد يوفيه إياه في موضع كذا ، فإن ترك من هذا شيئا لم تجز الكتابة عليه كما لا يجوز أن يسلف فيه إلا هكذا .

وهكذا إن كان العرض طعاما أو حيوانا ، أو رقيقا ، أو ما كان العرض فإن كان من الرقيق قال : عبد أسود فراني من جنس كذا أسود حالك السواد أمرد مربوع ، أو طوال ، أو قصير بريء من العيوب ، وإذا كان من الإبل قال : جمل ثني ، أو رباع من نعم بنى فلان أحمر ، أو جون غير مودن بريء من العيوب ويوفيه إياه في موضع كذا وقت كذا ، فإن ترك من هذا شيئا لم تجز الكتابة إلا أن يترك قوله برئ من العيوب ، فإنما له برئ من العيوب وإن لم يشترط ذلك ، وسواء كاتبه على عروض منفردة أو عروض ونقد يجوز ذلك كله كما يجوز أن يبيعه دارا بعرض ونقد إذا كان كل ما باعه معلوما وإلى أجل معلوم . والله تعالى الموفق . .

التالي السابق


الخدمات العلمية