الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ( 65 ) إنا لمغرمون ( 66 ) بل نحن محرومون ( 67 ) )

يقول - تعالى ذكره - : لو نشاء جعلنا ذلك الزرع الذي زرعناه حطاما ، يعني هشيما لا ينتفع به في مطعم وغذاء .

وقوله : ( فظلتم تفكهون ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : فظلتم تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم من المصيبة باحتراقه وهلاكه .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( فظلتم تفكهون ) قال : تعجبون .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فظلتم تفكهون ) قال : تعجبون .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فظلتم تفكهون ) قال : تعجبون .

وقال آخرون : معنى ذلك : فظلتم تلاومون بينكم في تفريطكم في طاعة [ ص: 140 ] ربكم - جل ثناؤه - حتى نالكم بما نالكم من إهلاك زرعكم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة في قوله : ( فظلتم تفكهون ) يقول : تلاومون .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سماك بن حرب البكري ، عن عكرمة ( فظلتم تفكهون ) قال : تلاومون .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فظلتم تندمون على ما سلف منكم في معصية الله التي أوجب لكم عقوبته ، حتى نالكم في زرعكم ما نالكم .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثني ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ( فظلتم تفكهون ) قال : تندمون .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( فظلتم تفكهون ) قال تندمون .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فظلتم تعجبون .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( فظلتم تفكهون ) قال : تعجبون حين صنع بحرثكم ما صنع به ، وقرأ قول الله - عز وجل - ( إنا لمغرمون بل نحن محرومون ) وقرأ قول الله ( وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ) قال : هؤلاء ناعمين ، وقرأ قول الله - جل ثناؤه - ( فأخرجناهم من جنات وعيون ) . . . إلى قوله : ( كانوا فيها فاكهين ) .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ( فظلتم ) : فأقمتم [ ص: 141 ] تعجبون مما نزل بزرعكم . وأصله من التفكه بالحديث إذا حدث الرجل الرجل بالحديث يعجب منه ، ويلهى به ، فكذلك ذلك . وكأن معنى الكلام : فأقمتم تتعجبون يعجب بعضكم بعضا مما نزل بكم .

وقوله : ( إنا لمغرمون ) اختلف أهل التأويل في معناه ، فقال بعضهم : إنا لمولع بنا .

ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : ثنا يزيد بن الحباب قال : أخبرني الحسين بن واقد قال : ثني يزيد النحوي عن عكرمة في قول الله - تعالى ذكره - ( إنا لمغرمون ) قال : إنا لمولع بنا .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر قال : قال مجاهد في قوله : ( إنا لمغرمون ) أي لمولع بنا .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنا لمعذبون .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إنا لمغرمون ) : أي معذبون .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنا لملقون للشر .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( إنا لمغرمون ) قال : ملقون للشر .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : إنا لمعذبون ، وذلك أن الغرام عند العرب : العذاب . ومنه قول الأعشى :


إن يعاقب يكن غراما وإن يعط جزيلا فإنه لا يبالي

[ ص: 142 ]

يعني بقوله : يكن غراما : يكن عذابا . وفي الكلام متروك اكتفى بدلالة الكلام عليه وهو : فظلتم تفكهون " تقولون " إنا لمغرمون ، فترك تقولون من الكلام لما وصفنا .

وقوله : ( بل نحن محرومون ) يعني بذلك - تعالى ذكره - أنهم يقولون : ما هلك زرعنا وأصبنا به من أجل ( إنا لمغرمون ) ولكنا قوم محرومون ، يقول : إنهم غير مجدودين ، ليس لهم جد .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ( بل نحن محرومون ) قال : حورفنا فحرمنا .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : ( بل نحن محرومون ) قال : أي محارفون .

التالي السابق


الخدمات العلمية