الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في وضع اليدين على الركبتين في الركوع

                                                                                                          258 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو بكر بن عياش حدثنا أبو حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال قال لنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن الركب سنت لكم فخذوا بالركب قال وفي الباب عن سعد وأنس وأبي حميد وأبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة وأبي مسعود قال أبو عيسى حديث عمر حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم لا اختلاف بينهم في ذلك إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون والتطبيق منسوخ عند أهل العلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( نا أبو حصين ) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملة اسمه عثمان بن عاصم الكوفي الأسدي أحد الأئمة الأثبات . قال الحافظ في التقريب : ثقة ثبت سني وربما دلس من الرابعة ، انتهى . وقال في الخلاصة : قال أبو شهاب الخياط : سمعت أبا حصين يقول : إن أحدهم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر ، مات سنة 128 ثمان وعشرين ومائة ( عن أبي عبد الرحمن السلمي ) بفتح السين واللام كذا في المغني ، اسمه عبد الله بن حبيب الكوفي مشهور بكنيته [ ص: 101 ] ثقة ثبت ولأبيه صحبة .

                                                                                                          قوله : ( إن الركب ) جمع ركبة ( سنت لكم ) بصيغة المجهول والضمير يرجع إلى الركب أي سن أخذها لكم ففيه مجاز الحذف . وفي رواية النسائي : قال عمر : إنما السنة الأخذ بالركب ( فخذوا بالركب ) أي في الركوع . وروى البيهقي هذا الحديث بلفظ : كنا إذا ركعنا جعلنا أيدينا بين أفخاذنا ، فقال عمر ، إن من السنة الأخذ بالركب . قال الحافظ في فتح الباري بعد ذكر هذه الرواية : هذا حكمه حكم الرفع لأن الصحابي إذا قال : السنة كذا أو سن كذا ، كان الظاهر انصراف ذلك إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا سيما إذا قاله مثل عمر رضي الله عنه ، انتهى .

                                                                                                          ( قوله : وفي الباب عن سعد وأنس وأبي حميد وأبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة وأبي مسعود ) أما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص فأخرجه الجماعة ، وأما حديث أنس وهو ابن مالك فأخرجه أبو يعلى والطبراني في الصغير ، كذا في شرح سراج أحمد السرهندي . وأما حديث أبي حميد فأخرجه الخمسة إلا النسائي عنه أنه قال وهو في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحديث ، وفيه في بيان هيئة الركوع : ووضع يديه على ركبتيه وأخرجه البخاري مختصرا ، وقد سمي من العشرة أبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة في رواية أحمد كما ذكره الحافظ في الفتح . وأما حديث أبي مسعود فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي .

                                                                                                          قوله : ( حديث عمر حديث حسن صحيح ) وأخرجه النسائي .

                                                                                                          قوله : ( إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون ) رواه عنه مسلم وغيره من طريق إبراهيم عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله فذكر الحديث وفيه فوضعنا [ ص: 102 ] أيدينا على ركبنا فضرب أيدينا ، ثم طبق بين يديه ، ثم جعلهما بين فخذيه ، فلما صلى قال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحمل هذا على أن ابن مسعود لم يبلغه النسخ .

                                                                                                          قوله : ( والتطبيق منسوخ عند أهل العلم ) التطبيق هو إلصاق بين باطني الكفين وجعلهما بين الفخذين . ويدل على نسخ التطبيق حديث سعد بن أبي وقاص كما ذكره الترمذي بقوله : قال سعد بن أبي وقاص إلخ : وروى ابن خزيمة عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه فركع فبلغ ذلك سعدا فقال : صدق أخي ، كنا نفعل هذا ، ثم أمرنا بهذا يعني الإمساك بالركب . قال الحافظ : فهذا شاهد قوي لطريق مصعب بن سعد ، قال : وروى عبد الرزاق عن معمر ما يوافق قول سعد . أخرجه من وجه آخر عن علقمة والأسود ، قال : صلينا مع عبد الله فطبق ، ثم لقينا عمر فصلينا معه فطبقنا ، فلما انصرف قال : ذلك الشيء كنا نفعله ثم ترك ، انتهى .

                                                                                                          وقال الحازمي في كتاب الاعتبار بعد رواية حديث التطبيق من طريقين ما لفظه : قد اختلف أهل العلم في هذا الباب ، فذهب نفر إلى العمل بهذا الحديث ، منهم عبد الله بن مسعود ، والأسود بن يزيد ، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وعبد الرحمن بن الأسود ، وخالفهم في ذلك كافة أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ، ورأوا أن الحديث الذي رواه ابن مسعود كان محكما في ابتداء الإسلام ، ثم نسخ ولم يبلغ ابن مسعود نسخه ، وعرف ذلك أهل المدينة فرووه وعملوا به ، ثم ذكر الحازمي بإسناده عن مصعب بن سعد قال : صليت إلى جنب أبي فلما ركعت جعلت يدي بين ركبتي فنحاهما ، فعدت فنحاهما ، وقال : إنا كنا نفعل هذا فنهينا عنه ، وأمرنا أن نضع الأيدي على الركب ، قال : هذا حديث صحيح ثابت أخرجه البخاري في الصحيح عن أبي الوليد عن شعبة ، وأخرجه مسلم من حديث أبي عوانة ، عن أبي يعفور ، وله طرق في كتب الأئمة ثم روى بإسناده عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله قال : " علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فرفع يديه ، ثم ركع فطبق ووضع يديه بين ركبتيه ، فبلغ ذلك سعدا فقال : صدق أخي كنا نفعل هذا ، ثم أمرنا بهذا ووضع يديه على ركبتيه " قال : ففي إنكار سعد حكم التطبيق بعد إقراره بثبوته دلالة على أنه عرف الأول والثاني وفيهم الناسخ والمنسوخ ، انتهى كلام الحازمي .




                                                                                                          الخدمات العلمية