الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 73 ] سجود السهو 467 - مسألة : كل عمل يعمله المرء في صلاته سهوا وكان - ذلك العمل مما لو تعمده ذاكرا بطلت صلاته - : فإنه يلزمه في السهو سجدتا السهو ؟ ويشبه أن يكون هذا مذهب الشافعي إلا أنه رأى السهو في ترك الجلسة بعد الركعتين ، وظاهر مذهبه أنها ليست فرضا ؟ وقال : من أسقط شيئا من صلب صلاته سهوا فعليه سجود السهو ؟ وقال أبو سليمان وأصحابنا : لا سجود سهو إلا في مواضع ، وهي - : من سلم أو تكلم أو مشى ساهيا في الصلاة المفروضة .

                                                                                                                                                                                          أو من قام من اثنتين في صلاة مفروضة ومن شك فلم يدر كم صلى ؟ أو من زاد في صلاته ركعة فما فوقها ساهيا في صلاة مفروضة وقال أبو حنيفة : لا سجود سهو إلا في عشرة أوجه - : إما قيام مكان قعود وإما قعود مكان قيام - للإمام أو الفذ وإما سلام قبل تمام الصلاة للإمام أو الفذ أو نسيان تكبير صلاة العيد خاصة للإمام أو الفذ أو نسيان القنوت في الوتر للإمام أو الفذ أو نسيان التشهد للإمام أو الفذ أو نسيان ( أم القرآن ) للإمام أو الفذ [ ص: 74 ] أو تأخيرها بعد قراءة السورة للإمام أو للفذ أو من جهر في قراءة سر أو أسر في قراءة جهر للإمام خاصة ، فقط ؟ قال : فإن تعمد ذلك فصلاته تامة ولا سجود سهو عليه ؟ قال : فإن نسي سجدة أو شك فلم يدر كم صلى ؟ فإن كان ذلك أول مرة : أعاد الصلاة ؟ وإن كان قد عرض له ذلك ولو مرة : سجد للسهو فإن لم يذكر ذلك إلا بعد أن خرج من المسجد : بطلت صلاته وأعادها .

                                                                                                                                                                                          وأما مذهب مالك في سجوده لسهو فغير منضبط ، لأنه رأى فيمن ترك ثلاث تكبيرات من الصلاة فصاعدا غير تكبيرة الإحرام - : أن يسجد للسهو .

                                                                                                                                                                                          فإن لم يفعل حتى انتقض وضوءه ، أو تطاول ذلك : بطلت صلاته وأعادها .

                                                                                                                                                                                          ورأى فيمن سها عن تكبيرتين من الصلاة كذلك : أن يسجد للسهو ؟ فإن لم يفعل حتى انتقض وضوءه أو تطاول ذلك : فلا شيء عليه وصلاته تامة ، ولا سجود سهو عليه .

                                                                                                                                                                                          ورأى فيمن سها عن تكبيرة واحدة غير تكبيرة الإحرام أن لا شيء عليه ، لا سجود سهو ولا غيره .

                                                                                                                                                                                          ورأى على من جعل " الله أكبر " مكان " سمع الله لمن حمده " سجود السهو .

                                                                                                                                                                                          ورأى على من جهر في قراءة سر ، أو أسر في قراءة جهر ، إن كان ذلك قليلا فلا شيء عليه ، وإن كان كثيرا فعليه سجود السهو ؟ قال علي : ورأى فيمن سها عن قراءة ( أم القرآن ) في ركعتين من صلاته فصاعدا : أن صلاته تبطل .

                                                                                                                                                                                          فإن سها عنها في ركعة - : فمرة رأى سجود السهو فقط ومرة رأى عليه أن يأتي بركعة ويسجد للسهو ؟ قال علي : أما قول أبي حنيفة فأفسد من أن يشتغل به فإنه لم يتعلق فيه بقرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا بقياس ، ولا بقول صاحب ، ولا برأي سديد بل لا نعلم [ ص: 75 ] أحدا قاله قبله وكذلك قول مالك سواء سواء ، وزيادة أنه لا يختلف مسلمان في - : أن كل صلاة فرض - تكون أربع ركعات - فإن فيها اثنتين وعشرين تكبيرة سوى تكبيرة الإحرام ؟ وأن صلاة المغرب فيها ست عشرة تكبيرة سوى تكبيرة الإحرام ؟ وأن كل صلاة فرض تكون ركعتين ففيها عشر تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام ؟ فتسويتهم بين من سها عن ثلاث تكبيرات وبين من سها عن تكبيرتين ، وتفريقهم بين من سها عن تكبيرتين ، وبين من سها عن تكبيرة واحدة - : أحد عجائب الدنيا وحسبنا الله ونعم الوكيل وأما قول الشافعي فظاهر التناقض - : إذ رأى سجود السهو في ترك الجلسة الأولى ، وليست عنده فرضا ولم ير سجود السهو في ترك جميع تكبير الصلاة - حاشا تكبيرة الإحرام - ولا في العمل القليل - الذي تفسد الصلاة عنده بكثيره ولم يجد في القليل الذي أسقط فيه السجود حدا يفصله به مما تبطل الصلاة عنده بتعمده ، ويجب سجود السهو في سهوه ، وهذا فاسد جدا ومن العجب قوله " صلب الصلاة " وما علم الناس للصلاة صلبا ولا بطنا ولا كبدا ولا معيا ومثل هذا قد أغنى ظاهر فساده عن تكلف نقضه وأما قول أصحابنا فإنهم قالوا : لا سجود سهو إلا حيث سجده رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر بسجوده ، ولم يسجد عليه السلام إلا حيث ذكرنا ؟ قال علي : وهذا قول صحيح لا يحل خلافه ، إلا أننا قد وجدنا خبرا صحيحا يوجب صحة قولنا وجعلوه معارضا لغيره ، وهذا باطل لا يجوز ، بل الأخبار كلها تستعمل ، ولا يحل ترك شيء منها ، فإن لم يكن وجب الأخذ بالشرع الزائد الوارد فيها ، لأنه حكم من الله تعالى ، فلا يحل تركه ؟

                                                                                                                                                                                          [ ص: 76 ] قال علي : وبرهان صحة قولنا هو أن أعمال الصلاة قسمان - بيقين لا شك فيه - لا ثالث لهما - : إما فرض ، يعصي من تركه ، وإما غير فرض ، فلا يعصي من تركه ؟ فما كان غير فرض فهو مباح فعله ، ومباح تركه ؟ وإن كان بعضه مندوبا إليه مكروها تركه .

                                                                                                                                                                                          فما كان مباحا تركه فلا يجوز أن يلزم حكما في ترك أمر أباح الله تعالى تركه ، فيكون فاعل ذلك شارعا ما لم يأذن به الله تعالى ؟ وأما الفرض - وهو القسم الثاني - وهو الذي تبطل الصلاة بتعمد تركه ولا تبطل بالسهو فيه ، لقول الله تعالى : { ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } .

                                                                                                                                                                                          فإذ الصلاة لا تبطل بالسهو فيه وكان سهوا ، ففيه سجود السهو ، إذ لم يبق غيره ، فلا يجوز أن يخص بعضه بالسجود دون بعض - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وقد جاء ما قلنا نصا - : كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا القاسم بن زكريا ثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائدة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال { صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإما زاد أو نقص - شك إبراهيم قال ابن مسعود قلنا : يا رسول الله ، أحدث في الصلاة شيء ؟ قال : لا ، فقلنا له الذي صنع ، فقال : إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين }

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا إسماعيل بن مسعود الجحدري ثنا خالد بن الحارث ثنا شعبة قال : قرأت على منصور ، وسمعته يحدث ، وكتب به إلي عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود : أن [ ص: 77 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : { إنما أنا بشر ، فإذا نسيت فذكروني ، إذا أوهم أحدكم في صلاته فليتحر أقرب ذلك من الصواب ثم ليتم عليه ثم ليسجد سجدتين } قال علي : فهذا نص قولنا في إيجاب السجود في كل زيادة ونقص في الصلاة ، وكل وهم ، ولا يقال لمن أدى صلاته بجميع فرائضها كما أمره الله تعالى : أنه زاد في صلاته ، ولا نقص منها ، ولا أوهم فيها ، بل قد أتمها كما أمر ، وإنما الزائد في الصلاة ، أو الناقص منها ، والواهم : من زاد فيها ما ليس منها ، أو نقص منها ما لا تتم إلا به على سبيل الوهم - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وقد قال بقولنا طائفة من السلف رضي الله عنهم : - كما روينا عن حماد بن سلمة عن سعيد بن قطن : أن أبا زيد الأنصاري قال : إذا أوهم أحدكم في صلاته فليسجد سجدتي الوهم ؟ وعن الحجاج بن المنهال عن أبي عوانة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال : لا وهم إلا في قعود ، أو قيام ، أو زيادة ، أو نقصان ، أو تسليم في ركعتين ؟ ومن طريق معمر عن قتادة عن أنس : أنه نسي ركعة من الفريضة حتى دخل في التطوع ، ثم ذكر ، فصلى بقية صلاة الفريضة ، ثم سجد سجدتين وهو جالس ؟ قال علي : ما نعلم لأنس في هذا مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم وعن ابن جريج - قلت لعطاء : فإن استيقنت أني صليت خمس ركعات ؟ قال : فلا تعد ولو صليت عشر ركعات ، واسجد سجدتي السهو ؟ وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري إذا زدت أو نقصت : فاسجد سجدتي السهو

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية