الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2736 [ ص: 599 ] 74 - باب: من غزا بصبي للخدمة

                                                                                                                                                                                                                              2893 - حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب ، عن عمرو ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي طلحة : " التمس غلاما من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر " . فخرج بي أبو طلحة مردفي ، وأنا غلام راهقت الحلم ، فكنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل ، فكنت أسمعه كثيرا يقول : "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال " . ثم قدمنا خيبر ، فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب ، وقد قتل زوجها وكانت عروسا ، فاصطفاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه ، فخرج بها حتى بلغنا سد الصهباء حلت ، فبنى بها ، ثم صنع حيسا في نطع صغير ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "آذن من حولك " . فكانت تلك وليمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صفية . ثم خرجنا إلى المدينة قال : فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحوي لها وراءه بعباءة ، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته ، فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب ، فسرنا حتى إذا أشرفنا على المدينة نظر إلى أحد فقال : " هذا جبل يحبنا ونحبه " . ثم نظر إلى المدينة فقال : "اللهم إني أحرم ما بين لابتيها بمثل ما حرم إبراهيم مكة ، اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم " . [انظر : 371 - مسلم: 1365 - فتح: 6 \ 86]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي طلحة : "التمس غلاما من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر " . فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم ، فكنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل ، فذكر فيه قصة صفية واصطفاءها لنفسه .

                                                                                                                                                                                                                              وهو حديث ظاهره مشكل ، فإن المعروف أنه خدمه قبل ذلك ، قال الداودي في غير هذا الحديث : أتى بي أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أنس غلام كيس فليخدمك .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 600 ] وقال هنا : ("حتى أخرج إلى خيبر " ) وهذا ليس بمحفوظ ; لأن أنسا قال : خدمته عشر سنين ، فكان أول خدمته قبل خيبر بست سنين ; لأن خيبر سنة ست ، ويحتمل أن يكون هذا القول منه حين خروجه إلى خيبر يخدمه غير أنس بالمدينة حتى يخرج ، أو أخذه للسفر فقط . ونقل ابن بطال عن أبي (عبد ) الله أن في حديث هذا وأنا غلام راهقت الحلم ، وفي طريق آخر : وأنا ابن عشر سنين ، وكذلك في حديث ابن عباس : ناهزت الحلم ، وفي طريق آخر : توفي رسول الله وأنا ابن عشر سنين ، وقد حفظت المحكم الذي يدعونه المفصل ، فسمي أنس وابن عباس ابن عشر سنين مراهقا .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : جواز استخدام اليتامى بشبعهم وكسوتهم ، وجواز الاستخدام لهم بغير نفقة ولا كسوة إذا كان في خدمة عالم أو إمام في الدين ; لأنه لم يذكر في حديث أنس أن له أجرة الخدمة ، وإن كان قد يجوز أن تكون نفقته من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأما الأجرة فلم يذكرها أنس في (حديثه ) ولا ذكرها أحد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا عن أبي طلحة ، ولا عن أم سليم ، وهما اللذان أتيا به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسلماه لخدمته ، ولم يشترطا أجرة ولا نفقة ولا غيرها ، فجائز على اليتيم إسلام أمه ووصيه و (ذي ) الرأي من أهله في الصناعات واستئجاره في المهنة ، وذلك لازم (له ) وينعقد عليه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 601 ] وفيه : جواز حمل الصبيان في الغزو كما بوب له .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (يحوي لها وراءه ) فالحوية : مركب يهيأ للمرأة ، قاله في "العين " ، فكان - صلى الله عليه وسلم - يجعل العباءة حوية ، يجعلها حول سنام البعير .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل ، والبخل والجبن ، وضلع الدين وغلبة الرجال " ) قال الخطابي : أكثر الناس لا يفرقون بين الهم والحزن ، وهما على اختلافهما في الاسم متقاربان في المعنى ، إلا أن الحزن إنما يكون على أمر قد وقع ، والهم إنما هو فيما يتوقع ولما يكون بعد .

                                                                                                                                                                                                                              وقال القزاز : الهم : هو الغم والحزن . تقول : أهمني هذا الأمر أحزنني وهو مهم ، ويحتمل أن يكون من همه المرض إذا أذابه وأنحله ، مأخوذ من هم الشحم إذا أذابه ، والشيء مهموم أي : مذاب ، فيكون تعوذه من المرض الذي ينحل جسمه ، (وضلع الدين ) : ثقله وغلظه ، يقال : رجل ضليع إذا كان بدينا قويا .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (وكانت عروسا ) قال الخليل : (رجل ) عروس في رجال عرس ، وامرأة عروس في نساء عرائس قال : والعروس نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ما داما في تعريسهما أياما ، وأحسن ذلك أن يقال للرجل معرس ; لأنه قد أعرس أي : اتخذ عروسا ، وسيأتي طرف منه في المغازي .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية