الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5484 ) مسألة ; قال : ( وإذا زوجه وليته ، على أن يزوجه الآخر وليته ، فلا نكاح بينهما ، وإن سموا مع ذلك صداقا أيضا ) . هذا النكاح يسمى الشغار . فقيل : إنما سمي شغارا لقبحه ، تشبيها برفع الكلب رجله ليبول ، في القبح . يقال : شغر الكلب : إذا رفع رجله ليبول ، وحكي عن الأصمعي أنه قال : الشغار : الرفع . فكأن كل واحد منهما رفع رجله للآخر عما يريد . ولا تختلف الرواية عن أحمد ، في أن نكاح الشغار فاسد . رواه عنه جماعة . قال أحمد : وروي عن عمر ، وزيد بن ثابت ، أنهما فرقا فيه . وهو قول مالك ، والشافعي وإسحاق حكي عن عطاء ، وعمرو بن دينار ، ومكحول ، والزهري ، والثوري ، أنه يصح ، وتفسد التسمية ، ويجب مهر المثل ; لأن الفساد من قبل المهر لا يوجب فساد العقد ، كما لو تزوج على خمر أو خنزير ، وهذا كذلك

                                                                                                                                            [ ص: 135 ] ولنا ، ما روى ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن الشغار } . متفق عليه . وروى أبو هريرة مثله . أخرجه مسلم . وروى الأثرم بإسناد عن عمران بن حصين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا جلب ، ولا جنب ، ولا شغار في الإسلام } . ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفا في الآخر ، فلم يصح ، كما لو قال : بعني ثوبك على أن أبيعك ثوبي . وقولهم : إن فساده من قبل التسمية . قلنا : لا بل فساده من جهة أنه وقفه على شرط فاسد ، أو لأنه شرط تمليك البضع لغير الزوج ، فإنه جعل تزويجه إياها مهرا للأخرى ، فكأنه ملكه إياه بشرط انتزاعه منه

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فلا فرق بين أن يقول : على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى . أو لم يقل ذلك . وقال الشافعي : هو أن يقول ذلك ، ولا يسمي لكل واحدة صداقا ; لما روى ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن الشغار } ، والشغار أن يقول الرجل للرجل : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك . ويكون بضع كل واحدة منهما مهر الأخرى

                                                                                                                                            ولنا ما روى ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن الشغار ، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته ، وليس بينهما صداق . } هذا لفظ الحديث الصحيح المتفق عليه . وفي حديث أبي هريرة : { والشغار أن يقول الرجل للرجل : زوجني ابنتك ، وأزوجك ابنتي ، أو زوجني أختك ، وأزوجك أختي . } رواه مسلم . وهذا يجب تقديمه لصحته ، وعلى أنه قد أمكن الجمع بينهما بأن يعمل بالجميع . ويفسد النكاح بأي ذلك كان

                                                                                                                                            ولأنه إذا شرط في نكاح إحداهما تزويج الأخرى ، فقد جعل بضع كل واحدة صداق الأخرى ، ففسد ، كما لو لفظ به ، فأما إن سموا مع ذلك صداقا ، فقال : زوجتك ابنتي ، على أن تزوجني ابنتك ، ومهر كل واحدة منهما مائة ، أو مهر ابنتي مائة ومهر ابنتك خمسون ، أو أقل أو أكثر ، فالمنصوص عن أحمد ، فيما وقفنا عليه ، صحته . وهو قول الشافعي لما تقدم من حديث ابن عمر ، ولأنه قد سمى صداقا ، فصح ، كما لو لم يشترط ذلك . وقال الخرقي : لا يصح ; لحديث أبي هريرة ، ولما روى أبو داود ، عن الأعرج ، أن العباس بن عبيد الله بن العباس ، أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته ، وأنكحه عبد الرحمن ابنته ، وكانا جعلا صداقا ، فكتب معاوية إلى مروان ، فأمره أن يفرق بينهما ، وقال في كتابه : هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولأنه شرط نكاح إحداهما لنكاح الأخرى ، فلم يصح ، كما لو لم يسميا صداقا

                                                                                                                                            يحققه أن عدم التسمية ليس بمفسد للعقد ، بدليل نكاح المفوضة ، فدل على أن المفسد هو الشرط ، وقد وجد ، ولأنه سلف في عقد ، فلم يصح ، كما لو قال : بعتك ثوبي بعشرة ، على أن تبيعني ثوبك بعشرين . وهذا الاختلاف فيما إذا لم يصرح بالتشريك ، فأما إذا قال : زوجتك ابنتي ، على أن تزوجني ابنتك ، ومهر كل واحدة منهما مائة وبضع الأخرى . فالنكاح فاسد ; لأنه صرح بالتشريك ، فلم يصح العقد ، كما لو لم يذكر مسمى

                                                                                                                                            ( 5485 ) فصل : ومتى قلنا بصحة العقد إذا سميا صداقا ، ففيه وجهان : أحدهما ، تفسد التسمية ، ويجب مهر المثل . وهذا قول الشافعي لأن كل واحد منهما لم يرض بالمسمى إلا بشرط أن يزوج وليه صاحبه ، فينقص المهر لهذا الشرط ، وهو باطل ، فإذا احتجنا إلى ضمان النقص ، صار المسمى مجهولا ، فبطل . والوجه الذي ذكره القاضي في ( الجامع ) ، أنه يجب المسمى ; لأنه ذكر قدرا معلوما يصح أن يكون مهرا ، فصح ، كما لو قال : زوجتك ابنتي على ألف ، على أن [ ص: 136 ] لي منها مائة . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية