الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 5 ] فصل منزلة الهمة

بسم الله الرحمن الرحيم

ومن منازل " إياك نعبد وإياك نستعين " منزلة الهمة

وقد صدرها صاحب المنازل بقوله تعالى ما زاغ البصر وما طغى .

وقد تقدم : أنه صدر بها باب الأدب ، وذكرنا وجهه .

وأما وجه تصدير " الهمة " بها : فهو الإشارة إلى أن همته - صلى الله عليه وسلم - ما تعلقت بسوى مشهوده ، وما أقيم فيه . ولو تجاوزته همته لتبعها بصره .

والهمة فعلة من الهم . وهو مبدأ الإرادة . ولكن خصوها بنهاية الإرادة . فالهم مبدؤها . والهمة نهايتها .

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول : في بعض الآثار الإلهية ، يقول الله تعالى : إني لا أنظر إلى كلام الحكيم . وإنما أنظر إلى همته .

قال : والعامة تقول : قيمة كل امرئ ما يحسن . والخاصة تقول : قيمة كل امرئ ما يطلب . يريد : أن قيمة المرء همته ومطلبه .

قال صاحب المنازل :

[ ص: 6 ] الهمة : ما يملك الانبعاث للمقصود صرفا . لا يتمالك صاحبها . ولا يلتفت عنها .

قوله " يملك الانبعاث للمقصود " أي يستولي عليه كاستيلاء المالك على المملوك ، وصرفا أي خالصا صرفا .

والمراد : أن همة العبد إذا تعلقت بالحق تعالى طلبا صادقا خالصا محضا . فتلك هي الهمة العالية ، التي لا يتمالك صاحبها أي : لا يقدر على المهلة . ولا يتمالك صبره ؛ لغلبة سلطانه عليه . وشدة إلزامها إياه بطلب المقصود ، ولا يلتفت عنها إلى ما سوى أحكامها . وصاحب هذه الهمة : سريع وصوله وظفره بمطلوبه . ما لم تعقه العوائق ، وتقطعه العلائق . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية