الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن أقيمت الصلاة وهو في الطواف أو عرضت له حاجة لا بد منها قطع الطواف فإن فرغ بنى ، لما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما " كان يطوف بالبيت ، فلما أقيمت الصلاة صلى مع الإمام ثم بنى على طوافه " وإن أحدث وهو في الطواف توضأ وبنى لأنه لا يجوز إفراد بعضه عن بعض فإذا بطل ما صادفه الحدث منه لم يبطل الباقي فجاز له البناء عليه ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : ينبغي للطائف أن يوالي طوافه ، فلا يفرق بين الطوفات السبع ، وفي هذه الموالاة قولان ( الصحيح ) الجديد أنها سنة ، فلو فرق تفريقا كثيرا بغير عذر لا يبطل طوافه ، بل يبني على ما مضى منه ، وإن طال الزمان بينهما ، وبهذا قطع كثيرون من العراقيين ( والثاني ) أنها واجبة فيبطل الطواف بالتفريق الكثير بلا عذر ، فعلى هذا إن فرق يسيرا لم يضر . وإن فرق كثيرا لعذر ففيه طريقان كما سبق في الوضوء [ ص: 65 ] ( والمذهب ) جواز التفريق مطلقا قال إمام الحرمين : التفريق الكثير هو ما يغلب على الظن تركه الطواف .

                                      ولو أقيمت الصلاة المكتوبة وهو في أثناء الطواف ، إن كان طواف نفل استحب قطعه ليصليها ثم يبني عليه ، وإن كان طوافا مفروضا كره قطعه لها . قال المصنف والأصحاب : إذا أقيمت الصلاة المكتوبة أو عرضت له حاجة لا بد منها وهو في أثناء الطواف قطعه ، فإذا فرغ بنى إن لم يطل الفصل ، وكذا إن طال ، وهو المذهب ، وفيه الخلاف السابق . قال البغوي وآخرون : إذا كان الطواف فرضا كره قطعه لصلاة الجنازة ولسنة الضحى والوتر وغيرها من الرواتب ، لأن الطواف فرض عين ولا يقطع لنفل ولا لفرض كفاية ، قالوا : وكذا حكم السعي ، وقد نص الشافعي رحمه الله في الأم على هذا كله ، ونقله القاضي أبو الطيب في تعليقه عن الأم فقال " قال في الأم : إن كان في طواف الإفاضة فأقيمت الصلاة أحببت أن يصلي مع الناس ثم يعود إلى طوافه ويبني عليه ، وإن خشي فوات الوتر أو سنة الضحى أو حضرت جنازة فلا أحب ترك الطواف لشيء من ذلك لئلا يقطع فرضا لنفل أو فرض كفاية . والله أعلم .



                                      وأما إذا أحدث في طوافه - فإن كان عمدا - فطريقان ( أحدهما ) وهو المشهور في كتب الخراسانيين ، وذكره جماعة من العراقيين ، فيه قولان ( أصحهما ) وهو الجديد : لا يبطل ما مضى من طوافه ، فيتوضأ ويبني عليه ( والثاني ) وهو القديم يبطل فيجب الاستئناف ( والطريق الثاني ) وبه قطع الشيخ أبو حامد وأبو علي البندنيجي والماوردي والقاضي أبو الطيب في تعليقه وابن الصباغ وآخرون من العراقيين إن قرب الفصل به قولا واحدا ، وإن طال فقولان ( الأصح ) الجديد يبني " والقديم " يجب الاستئناف .

                                      واحتج الماوردي في البناء على قرب بإجماع المسلمين على أن القعود اليسير في أثناء الطواف [ ص: 66 ] للاستراحة لا يضر . وهذا الاستدلال ضعيف ، لأن المحدث عمدا مقصر ، ومع منافاة الحدث فحشه . هذا كله في الحدث عمدا ، قال الماوردي وغيره : وحكم الحدث سهوا كالعمد . وأما سبق الحدث فإن قلنا يبني العامد فهذا أولى ، وإلا فقولان كسبق الحدث في الصلاة ( أحدهما ) يبني ( والثاني ) يستأنف ، وقال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وغيرهما : إن قلنا سبق الحدث لا يبطل الصلاة فالطواف أولى أن لا يبطل . وإن قلنا يبطلها : فهو كالحدث في الطواف عمدا . وذكر إمام الحرمين نحو هذا فقال : إذا سبقه الحدث في الطواف . قال الأصحاب : إن قلنا : سبق الحدث لا يبطل الصلاة فالطواف أولى ، وإن قلنا يبطلها ففي إبطاله الطواف قولان . قال والفرق أن الصلاة في حكم خصلة واحدة بخلاف الطواف ولهذا لا يبطل بالكلام عمدا وكثرة الأفعال . وقطع البغوي بأن من سبقه الحدث يبني على طوافه . وقال الدارمي : إن أحدث الطائف فتوضأ وعاد قريبا بنى ، نص عليه . وقال ابن القطان والقيصري : فيه قولان كالصلاة ، قال : فعلى هذا يفرق بين العمد والسبق كالصلاة . قال : ومنهم من قال قولا واحدا كما نص عليه . فهذه طرق الأصحاب وهي متقاربة ومتفقة على أن المذهب جواز البناء مطلقا في العمد والسهو وقرب الزمان وطوله . قال الشافعي والأصحاب : وحيث لا نوجب الاستئناف في جميع هذه الصور فنستحبه . والله تعالى أعلم .



                                      ( فرع ) حيث قطع الطواف في أثنائه بحدث أو غيره ، وقلنا : يبني على الماضي فظاهر عبارة جمهور الأصحاب أنه يبني من الموضع الذي كان وصل إليه . وقال الماوردي في الحاوي : إن كان خروجه من الطواف [ ص: 67 ] عند إكمال طوفة بوصوله إلى الحجر الأسود عاد فابتدأ الطوفة التي تليها من الحجر الأسود ، وإن كان خروجه في أثناء طوفة قبل وصوله إلى الحجر الأسود فوجهان ( أحدهما ) يستأنف هذه الطوفة من أولها ; لأن لكل طوفة حكم نفسها ( وأصحهما ) يبني على ما مضى منها ويبتدئ من الموضع الذي كان وصله . وحكى هذين الوجهين أيضا الدارمي وصحح البناء ، كما صححه الماوردي ، وهو مقتضى كلام الجمهور كما ذكرناه أولا ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية