الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 141 ] الفصل الثاني : في عدد العيوب المجوزة للفسخ ، وهي فيما ذكر الخرقي ثمانية : ثلاثة يشترك فيها الزوجان ; وهي : الجنون ، والجذام ، والبرص . واثنان يختصان الرجل ; وهما الجب ، والعنة . وثلاثة تختص بالمرأة ; وهي الفتق ، والقرن ، والعفل

                                                                                                                                            وقال القاضي : هي سبعة . جعل القرن والعفل شيئا واحدا ، وهو الرتق أيضا ، وذلك لحم ينبت في الفرج . وحكي ذلك عن أهل الأدب ، وحكي نحوه عن أبي بكر ، وذكره أصحاب الشافعي . وقال الشافعي : القرن عظم في الفرج يمنع الوطء . وقال غيره : لا يكون في الفرج عظم ، إنما هو لحم ينبت فيه . وحكي عن أبي حفص ، أن العفل كالرغوة في الفرج ، يمنع لذة الوطء . فعلى هذا يكون عيبا ناميا

                                                                                                                                            وقال أبو الخطاب : الرتق أن يكون الفرج مسدودا . يعني أن يكون ملتصقا لا يدخل الذكر فيه . والقرن والعفل لحم ينبت في الفرج فيسده ، فهما في معنى الرتق ، إلا أنهما نوع آخر . وأما الفتق فهو انخراق ما بين مجرى البول ومجرى المني . وقيل : ما بين القبل والدبر .

                                                                                                                                            وذكرها أصحاب الشافعي سبعة ، أسقطوا منها الفتق ، ومنهم من جعلها ستة ، جعل القرن والعفل شيئا واحدا . وإنما اختص الفسخ بهذه العيوب ; لأنها تمنع الاستمتاع المقصود بالنكاح ، فإن الجذام والبرص يثيران نفرة في النفس تمنع قربانه ، ويخشى تعديه إلى النفس والنسل ، فيمنع الاستمتاع ، والجنون يثير نفرة ويخشى ضرره ، والجب والرتق يتعذر معه الوطء ، والفتق يمنع لذة الوطء وفائدته ، وكذلك العفل ، على قول من فسره بالرغوة

                                                                                                                                            فإن اختلفا في وجود العيب ، مثل أن يكون بجسده بياض يمكن أن يكون بهقا أو مرارا ، واختلفا في كونه برصا ، أو كانت به علامات الجذام ، من ذهاب شعر الحاجبين ، فاختلفا في كونه جذاما ، فإن كانت للمدعي بينة من أهل الخبرة والثقة ، يشهدان له بما قال ، ثبت قوله ، وإلا حلف المنكر ، والقول قوله ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { ولكن اليمين على المدعى عليه } . وإن اختلفا في عيوب النساء ، أريت النساء الثقات ، ويقبل فيه قول امرأة واحدة ، فإن شهدت بما قال الزوج ، وإلا فالقول قول المرأة

                                                                                                                                            وأما الجنون ، فإنه يثبت الخيار ، سواء كان مطبقا أو كان يجن في الأحيان ; لأن النفس لا تسكن إلى من هذه حاله ، إلا أن يكون مريضا يغمى عليه ، ثم يزول ، فذلك مرض لا يثبت به خيار . فإن زال المرض ، ودام به الإغماء ، فهو كالجنون ، يثبت به الخيار ، وأما الجب ، فهو أن يكون جميع ذكره مقطوعا ، أو لم يبق منه إلا ما لا يمكن الجماع به ، فإن بقي منه ما يمكن الجماع به ، ويغيب منه في الفرج قدر الحشفة ، فلا خيار لها ; لأن الوطء يمكن . وإن اختلفا في ذلك ، فالقول قول المرأة ; لأنه يضعف بالقطع ، والأصل عدم الوطء

                                                                                                                                            ويحتمل أن القول قوله ، كما لو ادعى الوطء في العنة ، ولأن له ما يمكن الجماع بمثله ، فأشبه من له ذكر قصير

                                                                                                                                            ( 5500 ) الفصل الثالث : أنه لا يثبت الخيار لغير ما ذكرناه ; لأنه لا يمنع من الاستمتاع المعقود عليه ، ولا يخشى تعديه ، فلم يفسخ به النكاح ، كالعمى والعرج ، ولأن الفسخ إنما يثبت بنص أو إجماع أو قياس ، ولا نص في غير هذه ولا إجماع ، ولا يصح قياسها على هذه العيوب ; لما بينهما من الفرق

                                                                                                                                            وقال أبو بكر . وأبو حفص : إذا كان أحدهما لا يستمسك بوله ولا خلاءه فللآخر الخيار . قال أبو الخطاب : ويتخرج على ذلك من به الباسور ، والناصور ، والقروح السيالة في الفرج ، لأنها تثير نفرة ، وتتعدى نجاستها ، وتسمى من لا تحبس نجوها الشريم ، ومن لا تحبس بولها المشولة ، [ ص: 142 ] ومثلها من الرجال الأفين

                                                                                                                                            قال أبو حفص : والخصاء عيب يرد به . وهو أحد قولي الشافعي لأن فيه نقصا وعارا ، ويمنع الوطء أو يضعفه . وقد روى أبو عبيد ، بإسناده عن سليمان بن يسار ، أن ابن سندر تزوج امرأة وهو خصي ، فقال له عمر : أعلمتها ؟ قال : لا . قال : أعلمها ، ثم خيرها . وفي البخر ، وكون أحد الزوجين خنثى ، وجهان ; أحدهما ، يثبت الخيار ; لأن فيه نفرة ونقصا وعارا ، والبخر : نتن الفم . وقال ابن حامد : هو نتن في الفرج ، يثور عند الوطء . وهذا إن أراد به أنه يسمى أيضا بخرا ويثبت الخيار ، وإلا فلا معنى له ، فإن نتن الفم يسمى بخرا ، ويمنع مقاربة صاحبه إلا على كره

                                                                                                                                            وما عدا هذه فلا يثبت الخيار ، وجها واحدا ، كالقرع ، والعمى ، والعرج ، وقطع اليدين والرجلين ; لأنه لا يمنع الاستمتاع ، ولا يخشى تعديه . ولا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا ، إلا أن الحسن قال : إذا وجد الآخر عقيما يخير . وأحب أحمد أن يتبين أمره ، وقال : عسى امرأته تريد الولد

                                                                                                                                            وهذا في ابتداء النكاح ، فأما الفسخ فلا يثبت به ، ولو ثبت بذلك لثبت في الآيسة ، ولأن ذلك لا يعلم ، فإن رجالا لا يولد لأحدهم وهو شاب ، ثم يولد له وهو شيخ ، ولا يتحقق ذلك منهما . وأما سائر العيوب فلا يثبت بها فسخ عندهم . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية