الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة

                                                          * * *

                                                          إذا كان المخذلون يتربصون بالمجاهدين، فإنه يجب أن يكون الجهاد للمخلصين، وأن يبعدوا عنهم المعوقين، فإنهم لا يزيدونهم إلا خبالا واضطرابا! فليتقدم للقتال الذين لا ينظرون إلى مغنم يبتغونه، ولا مال يريدونه، إنما يبيعون الحياة الدنيا ومتعها وشهواتها، ويطلبون ثمنا هو الآخرة وما فيها من جنات وعيون، ونعيمها ثابت دائم، ومعها رضوان الله تعالى. وسبيل الله التي يجب القتال فيها هي سبيل الحق، وإعلاء دينه، وجعل كلمة الله هي العليا.

                                                          و"يشرون" هنا معناها يبيعون أنفسهم، وذلك مثل قوله تعالى: ولبئس ما شروا به أنفسهم [البقرة]، وقوله تعالى: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله [البقرة]، وقوله تعالى: وشروه بثمن بخس دراهم معدودة [يوسف]، أي باعوه. وإن الذي يبيع نفسه لله، ليفتدي الحق وأهله، له جزاؤه وأجره العظيم، ولذا قال سبحانه: ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما [ ص: 1761 ] ومن يتقدم للقتال في سبيل الحق، طالبا رضاه سبحانه، فإن قتل واستشهد في سبيله سبحانه، أو غلب وانتصر بتأييد الله تعالى، ونال السلطان من الله بالغلب، فهو في كلتا حاليه سينال جزاء عظيما. و"سوف" هنا لتأكيد نيل الجزاء في المستقبل، وأكثر استعمالاتها في القرآن هي لتأكيد الوقوع في القابل؛ ولذا لا تدخل على النفي. وقد وصف الجزاء بالعظم للدلالة على مقداره، ونكر للدلالة على أنه لا يحده تعيين، ولا يبينه تعريف، مهما يكن دقيقا.

                                                          وإنما ينال ذلك الجزاء من خرج مجاهدا في سبيل الحق، لا يبتغي غير رضاء الله، ولا يبغي علوا في الأرض ولا تفاخرا ولقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرج إلا جهادا في سبيلي، وإيمانا بي، وتصديقا برسلي، فهو علي ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة".

                                                          اللهم هب أمتك روح الجهاد في سبيل الحق، وهبنا رحمة من عندك، إنك أنت الوهاب.

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية