الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
nindex.php?page=treesubj&link=17497_17664_17666_17660باب حكم ما فيه صورة من الثياب والبسط والستور والنهي عن التصوير
571 - ( عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة { nindex.php?page=hadith&LINKID=33107أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه } . رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ولفظه " لم يكن يدع في بيته ثوبا فيه تصليب إلا نقضه " ) .
الحديث أخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي .
قوله : ( لم يكن يترك في بيته شيئا ) يشمل الملبوس والستور والبسط والآلات وغير ذلك .
قوله : ( فيه تصاليب ) أي صورة صليب من نقش ثوب أو غيره ، والصليب فيه صورة عيسى عليه السلام تعبده النصارى .
قوله : ( نقضه ) بفتح النون والقاف والضاد المعجمة : أي كسره وأبطله وغير صورة الصليب . وفي رواية أبي داود " قضبه " بالقاف المفتوحة والضاد المعجمة والباء الموحدة : أي قطع موضع التصليب منه دون غيره ، والقضب : القطع كذا قال ابن رسلان . والحديث يدل على عدم جواز nindex.php?page=treesubj&link=17497_17664_17660اتخاذ الثياب والستور والبسط وغيرها التي فيها تصاوير ، وعلى جواز nindex.php?page=treesubj&link=20193تغيير المنكر باليد من غير استئذان مالكه ، زوجة كانت أو غيرها ، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=44402يوم فتح مكة أنه كان يهوي بالقضيب الذي في يده إلى كل صنم فيخر لوجهه ويقول : جاء الحق وزهق الباطل حتى مر على ثلاثمائة وستين صنما } .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=33224لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الصور التي في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت ورأى صورة إبراهيم وإسماعيل بأيديهما الأزلام فقال : قاتلهم الله ، والله ما استقسما بالأزلام قط } . قال النووي : قال أصحابنا وغيرهم من العلماء : تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بالوعيد الشديد المذكور في الأحاديث ، وسواء صنعه لما يمتهن أو لغيره فصنعته حرام بكل حال ، لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار وفلس وإناء وحائط وغيرها .
وأما تصوير صورة الشجر وجبال الأرض وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام هذا حكم نقش التصوير . وأما اتخاذ ما فيه صورة حيوان فإن كان معلقا على حائط أو ثوبا أو عمامة [ ص: 120 ] أو نحو ذلك مما لا يعد ممتهنا فهو حرام وإن كان في بساط يداس ومخدة ووسادة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام ، ولكن هل يمنع دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت وسيأتي .
قال : ولا فرق في ذلك كله بين ما له ظل وما لا ظل له قال هذا تلخيص مذهبنا في المسألة ، وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة وغيرهم . وقال بعض السلف : إنما ينهى عما كان له ظل ، ولا بأس بالصور التي ليس لها ظل ، وهذا مذهب باطل فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصور فيه لا يشك أحد أنه مذموم وليس لصورته ظل مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة . وقال الزهري : النهي في الصورة على العموم وكذلك استعمال ما هي فيه ، ودخول البيت الذي هي فيه سواء كانت رقما في ثوب أو غير رقم وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بساط ممتهن أو غير ممتهن عملا بظاهر الأحاديث لا سيما حديث النمرقة الذي ذكره nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وهذا مذهب قوي وقال آخرون : يجوز منها ما كان رقما في ثوب سواء امتهن أم لا ، وسواء علق في حائط أم لا ، قال : وهو مذهب القاسم بن محمد وأجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره .
قال القاضي عياض : إلا ما ورد في nindex.php?page=treesubj&link=23993_17496اللعب بالبنات لصغار البنات والرخصة في ذلك ، لكن كره nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك شراء الرجل ذلك لابنته وادعى بعضهم أن إباحة اللعب بالبنات منسوخ بهذه الأحاديث انتهى .
572 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة { nindex.php?page=hadith&LINKID=41149أنها نصبت سترا وفيه تصاوير فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزعه قالت : فقطعته وسادتين فكان يرتفق عليهما } . متفق عليه .
وفي لفظ nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : فقطعته مرفقتين فلقد رأيته متكئا على إحداهما وفيها صورة ) .
قوله : ( فنزعه ) فيه الإرشاد إلى إزالة التصاوير المنقوشة على الستور .
قوله : ( فقطعته وسادتين ) فيه أن الصورة والتمثال إذا غيرا لم يكن بهما بأس بعد ذلك وجاز افتراشهما والارتفاق عليهما . قوله : ( فكان يرتفق ) في القاموس ارتفق : اتكأ على مرفق يده أو على المخدة .
قوله : ( فقطعته مرفقتين ) تثنية مرفقة كمكنسة وهي المخدة . والحديث يدل على جواز nindex.php?page=treesubj&link=17667افتراش الثياب التي كانت فيها تصاوير وعلى استحباب الارتفاق لما يشعر به لفظ كان من استمراره على ذلك وكثيرا ما يتجنبه الرؤساء تكبرا .
573 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=210أتاني جبريل فقال : إني كنت أتيتك الليلة فلم يمنعني أن أدخل البيت الذي أنت فيه إلا أنه كان فيه تمثال [ ص: 121 ] رجل وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل ، وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي في باب البيت يقطع يصير كهيئة الشجرة ، وأمر بالستر يقطع فيجعل وسادتين منتبذتين توطآن ، وأمر بالكلب يخرج ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا الكلب جرو وكان للحسن nindex.php?page=showalam&ids=17والحسين تحت نضد لهم } . رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ) . الحديث أخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي . قوله : ( الليلة ) وفي رواية أبي داود " البارحة " . قوله : ( قرام ستر ) بكسر القاف وتخفيف الراء والتنوين ، وروي بحذف التنوين والإضافة ، وهو الستر الرقيق من صوف ذي ألوان . قوله : ( فيه تماثيل ) وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم " وقد سترت سهوة لي بقرام " والسهوة : الخزانة الصغيرة ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15397للنسائي " قال جبريل : كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير " . واختلاف الروايات يبين بعضها بعضا .
قوله : ( فمر ) بضم الميم أي فقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم : مر .
قوله : ( يصير كهيئة الشجرة ) لأن الشجرة ونحوه مما لا روح فيه لا يحرم صنعته ولا التكسب به من غير فرق بين الشجرة المثمرة وغيرها . قال ابن رسلان : وهذا مذهب العلماء كافة إلا nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا فإنه جعل الشجرة المثمرة من المكروه لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حاكيا عن الله تعالى : { nindex.php?page=hadith&LINKID=42861ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي } .
قوله : ( وأمر بالستر ) رواية أبي داود " ومر " ، وكذلك قوله " وأمر بالكلب "
قوله : ( منتبذتين ) أي مطروحتين على الأرض ، ولفظ أبي داود " منبوذتين " .
قوله : ( وكان للحسن nindex.php?page=showalam&ids=17والحسين ) فيه جواز nindex.php?page=treesubj&link=24934تربية جرو الكلب للولد الصغير ، وقد يستدل به على nindex.php?page=treesubj&link=24932_523طهارة الكلب ، وقد تقدم الكلام على ذلك وعلى جواز اتخاذه لغير الاصطياد .
قوله : ( تحت نضد ) بفتح النون والضاد المعجمة فعل بمعنى مفعول : أي تحت متاع البيت المنضود بعضه فوق بعض . وقيل : هو السرير سمي بذلك لأن النضد يوضع عليه : أي يجعل بعضه فوق بعض .
وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق " شجر الجنة نضد من أصلها إلى فرعها " أي ليس لها سوق بارزة ، ولكنها منضودة بالورق والثمار من أسفلها إلى أعلاها . والحديث يدل على أنها nindex.php?page=treesubj&link=17497_17496_17495_24934لا . تدخل الملائكة البيوت التي فيها تماثيل أو كلب كما ورد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=86أبي طلحة الأنصاري عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وأبي داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي بلفظ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=30140لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل } زاد أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي مرفوعا " ولا جنب " قيل : أراد الملائكة السياحين غير الحفظة وملائكة الموت . قال في معالم السنن : الملائكة الذين ينزلون بالبركة والرحمة ، وأما الحفظة فلا يفارقون الجنب وغيره .
قال النووي في شرح مسلم : سبب nindex.php?page=treesubj&link=17497_17496_17495امتناع الملائكة من بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة ، وسبب امتناعهم من بيت فيه كلب كثرة أكله النجاسات ، ولأن بعضها يسمى شيطانا كما جاء في الحديث ، والملائكة ضد [ ص: 122 ] الشياطين ، وخص nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي ذلك بما كان يحرم اقتناؤه من الكلاب ، وبما لا يجوز تصويره من الصور لا كلب الصيد والماشية ، ولا الصورة التي في البساط والوسادة وغيرهما ، فإن ذلك لا يمنع دخول الملائكة والأظهر أنه عام في كل كلب وفي كل صورة ، وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث ، ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحت السرير كان له فيه عذر فإنه لم يعلم به ومع هذا امتنع جبريل من دخول البيت لأجل ذلك الجرو .
574 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=14244الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم : أحيوا ما خلقتم } )
575 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وجاءه رجل ، فقال : إني أصور هذه التصاوير فأقتني فيها ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=28823كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا تعذبه في جهنم فإن كنت لا بد فاعلا فاجعل الشجر وما لا نفس له } . متفق عليهما ) .
الحديثان يدلان على أن التصوير من أشد المحرمات للتوعد عليه بالتعذيب في النار وبأن كل مصور من أهل النار لورود لعن المصورين في أحاديث أخر ، وذلك لا يكون إلا على محرم متبالغ في القبح وإنما كان التصوير من أشد المحرمات الموجبة لما ذكر لأن فيه مضاهاة لفعل الخالق جل جلاله ولهذا سمى الشارع فعلهم خلقا وسماهم خالقين وظاهر قوله " كل مصور " ، وقوله : " بكل صورة صورها " أنه لا فرق بين المطبوع في الثياب وبين ما له جرم مستقل . ويؤيد ذلك ما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة المتقدم من التعميم وما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وغيره { nindex.php?page=hadith&LINKID=4623أن النبي صلى الله عليه وسلم هتك درنوكا nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة كان فيه صور الخيل ذوات الأجنحة حتى اتخذت منه وسادتين } والدرنوك : ضرب من الثياب أو البسط وما أخرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم والموطأ nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : { nindex.php?page=hadith&LINKID=26487قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه هتكه وتلون وجهه ، وقال : يا nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله } .
وما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=36745من صور صورة عذبه الله بها يوم القيامة حتى ينفخ فيها الروح وما هو بنافخ } فهذه الأحاديث قاضية بعدم nindex.php?page=treesubj&link=23993الفرق [ ص: 123 ] بين المطبوع من الصور والمستقل ، لأن اسم الصورة صادق على الكل إذ هي كما في كتب اللغة : الشكل ، وهو يقال لما كان منها مطبوعا على الثياب شكلا ، نعم حديث nindex.php?page=showalam&ids=86أبي طلحة عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وأبي داود وغيرهما بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=30140لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تمثال } وفيه أنه قال : إلا رقما في ثوب فهذا إن صح رفعه كان مخصصا لما رقم في الأثواب من التماثيل . قوله : ( أحيوا ما خلقتم ) هذا من باب التعليق بالمحال والمراد أنهم يعذبون يوم القيامة ويقال لهم : لا تزالون في عذاب حتى تحيوا ما خلقتم وليسوا بفاعلين وهو كناية عن دوام العذاب واستمراره وهذا الذي قدرناه في تفسير الحديث مصرح بمعناه في حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المتقدم والأحاديث يفسر بعضها بعضا .
قوله : ( فاجعل الشجر وما لا نفس له ) فيه nindex.php?page=treesubj&link=23993الإذن بتصوير الشجر وكل ما ليس له نفس وهو يدل على اختصاص التحريم بتصوير الحيوانات . قال في البحر : ولا يكره nindex.php?page=treesubj&link=17497_17664_17666_17660تصوير الشجر وما نحوها من الجماد إجماعا .