الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 64 ] ذكر الاستحباب للإمام أن يكون إنشاؤه بالحرب لمقاتلة أعداء الله بالغدوات

                                                                                                                          4756 - أخبرنا عمر بن محمد الهمداني قال : حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال : حدثنا آدم بن أبي إياس قال : حدثنا مبارك بن فضالة قال : حدثنا زياد بن جبير بن حية ، قال : أخبرني أبي ، أن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه ، قال للهرمزان : أما إذا فتني بنفسك فانصح لي ، وذلك أنه قال له : تكلم لا بأس ، فأمنه ، فقال الهرمزان : نعم إن فارس اليوم رأس وجناحان ، قال : فأين الرأس ؟ قال : بنهاوند مع بنذاذقان ، فإن معه أساورة كسرى ، وأهل أصفهان ، قال : فأين الجناحان ، فذكر الهرمزان مكانا نسيته ، فقال الهرمزان : فاقطع الجناحين توهن الرأس .

                                                                                                                          فقال له عمر رضوان الله عليه : كذبت يا عدو الله ، بل أعمد إلى [ ص: 65 ] الرأس فيقطعه الله ، وإذا قطعه الله عني انفض عني الجناحان ، فأراد عمر أن يسير إليه بنفسه ، فقالوا : نذكرك الله يا أمير المؤمنين أن تسير بنفسك إلى العجم ، فإن أصبت بها لم يكن للمسلمين نظام ، ولكن ابعث الجنود ، قال : فبعث أهل المدينة ، وبعث فيهم عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وبعث المهاجرين والأنصار ، وكتب إلى أبي موسى الأشعري ، أن سر بأهل البصرة ، وكتب إلى حذيفة بن اليمان ، أن سر بأهل الكوفة ، حتى تجتمعوا جميعا بنهاوند ، فإذا اجتمعتم ، فأميركم النعمان بن مقرن المزني ، قال : فلما اجتمعوا بنهاوند جميعا أرسل إليهم بنذاذقان العلج أن أرسلوا إلينا يا معشر العرب رجلا منكم نكلمه ، فاختار الناس المغيرة بن شعبة ، قال أبي : فكأني أنظر إليه رجل طويل ، أشعر أعور ، فأتاه ، فلما رجع إلينا سألناه ، فقال لنا :

                                                                                                                          إني وجدت العلج قد استشار أصحابه في أي شيء تأذنون لهذا العربي أبشارتنا وبهجتنا وملكنا أو نتقشف له ، فنزهده عما في أيدينا ؟ فقالوا : بل نأذن له بأفضل ما يكون من الشارة [ ص: 66 ] والعدة ، فلما أتيتهم رأيت تلك الحراب ، والدرق يلتمع منه البصر ، ورأيتهم قياما على رأسه ، وإذا هو على سرير من ذهب ، وعلى رأسه التاج ، فمضيت كما أنا ، ونكست رأسي لأقعد معه على السرير ، قال : فدفعت ونهرت ، فقلت : إن الرسل لا يفعل بهم هذا ، فقالوا لي : إنما أنت كلب أتقعد مع الملك ؟ فقلت : لأنا أشرف في قومي من هذا فيكم ، قال : فانتهرني ، وقال : اجلس ، فجلست ، فترجم لي قوله ، فقال : يا معشر العرب إنكم كنتم أطول الناس جوعا ، وأعظم الناس شقاء ، وأقذر الناس قذرا ، وأبعد الناس دارا ، وأبعده من كل خير ، وما كان منعني أن آمر هؤلاء الأساورة حولي أن ينتظموكم بالنشاب ، إلا تنجسا بجيفكم ؛ لأنكم أرجاس ، فإن تذهبوا نخلي عنكم ، وإن تأبوا نركم مصارعكم .

                                                                                                                          قال المغيرة : فحمدت الله وأثنيت عليه ، وقلت : والله ما أخطأت من صفتنا ونعتنا شيئا ، إن كنا لأبعد الناس دارا ، وأشد الناس جوعا ، وأعظم الناس شقاء ، وأبعد الناس من كل خير حتى بعث الله إلينا رسولا ، فوعدنا النصر في الدنيا والجنة في الآخرة ، [ ص: 67 ] فلم نزل نتعرف من ربنا - مذ جاءنا رسوله صلى الله عليه وسلم - الفلج والنصر حتى أتيناكم ، وإنا والله نرى لكم ملكا وعيشا لا نرجع إلى ذلك الشقاء أبدا ، حتى نغلبكم على ما في أيديكم ، أو نقتل في أرضكم ، فقال : أما الأعور ، فقد صدقكم الذي في نفسه ، فقمت من عنده ، وقد والله أرعبت العلج جهدي .

                                                                                                                          فأرسل إلينا العلج : إما أن تعبروا إلينا بنهاوند ، وإما أن نعبر إليكم ، فقال النعمان : اعبروا ، فعبرنا قال أبي : فلم أر كاليوم قط ، إن العلوج يجيئون كأنهم جبال الحديد ، وقد تواثقوا أن لا يفروا من العرب ، وقد قرن بعضهم إلى بعض ، حتى كان سبعة في قران ، وألقوا حسك الحديد خلفهم ، وقالوا : من فر منا عقره حسك الحديد ، فقال المغيرة بن شعبة حين رأى كثرتهم : لم أر كاليوم فشلا ، إن عدونا يتركون أن يتتاموا ، فلا يعجلوا ، أما والله لو أن الأمر إلي لقد أعجلتهم به .

                                                                                                                          [ ص: 68 ] قال : وكان النعمان رجلا بكاء ، فقال : قد كان الله جل وعلا يشهدك أمثالها فلا يخزيك ولا يعري موقفك ، وإنه والله ما منعني أن أناجزهم إلا لشيء شهدته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذ غزا فلم يقاتل أول النهار لم يعجل حتى تحضر الصلوات وتهب الأرواح ، ويطيب القتال ، ثم قال النعمان : اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام وأهله وذل الكفر وأهله ، ثم اختم لي على إثر ذلك بالشهادة ، ثم قال : أمنوا يرحمكم الله ، فأمنا وبكى وبكينا .

                                                                                                                          ثم قال النعمان : إني هاز لوائي فتيسروا للسلاح ، ثم هازه الثانية ، فكونوا متيسرين لقتال عدوكم بإزائهم ، فإذا هززته الثالثة ، فليحمل كل قوم على من يليهم من عدوكم على بركة الله ، قال : فلما حضرت الصلاة وهبت الأرواح كبر وكبرنا ، وقال : ريح الفتح والله إن شاء الله ، وإني لأرجو أن يستجيب الله لي وأن يفتح علينا ، فهز اللواء فتيسروا ، ثم هزه الثانية ، ثم هزه الثالثة ، فحملنا جميعا كل قوم على من يليهم ، وقال النعمان : إن أنا أصبت فعلى الناس حذيفة بن اليمان ، فإن أصيب حذيفة ، ففلان ، فإن أصيب فلان ففلان ، [ ص: 69 ] حتى عد سبعة آخرهم المغيرة بن شعبة ، قال أبي : فوالله ما علمت من المسلمين أحدا يحب أن يرجع إلى أهله حتى يقتل أو يظفر وثبتوا لنا ، فلم نسمع إلا وقع الحديد على الحديد ، حتى أصيب في المسلمين مصابة عظيمة ، فلما رأوا صبرنا ، ورأونا لا نريد أن نرجع انهزموا ، فجعل يقع الرجل ، فيقع عليه سبعة في قران ، فيقتلون جميعا ، وجعل يعقرهم حسك الحديد خلفهم .

                                                                                                                          فقال النعمان : قدموا اللواء ، فجعلنا نقدم اللواء فنقتلهم ونضربهم ، فلما رأى النعمان أن الله قد استجاب له ورأى الفتح جاءته نشابة ، فأصابت خاصرته فقتلته ، فجاء أخوه معقل بن مقرن فسجى عليه ثوبا وأخذ اللواء فتقدم به ، ثم قال : تقدموا رحمكم الله ، فجعلنا نتقدم فنهزمهم ونقتلهم ، فلما فرغنا واجتمع الناس ، قالوا : أين الأمير ؟ فقال معقل : هذا أميركم ، قد أقر الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة ، فبايع الناس حذيفة بن اليمان .

                                                                                                                          قال : وكان عمر رضوان الله عليه بالمدينة يدعو الله ، وينتظر مثل صيحة الحبلى ، فكتب حذيفة إلى عمر بالفتح مع رجل من المسلمين ، فلما قدم عليه قال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح أعز الله فيه الإسلام وأهله ، وأذل فيه الشرك وأهله ، وقال : النعمان [ ص: 70 ] بعثك ؟ قال : احتسب النعمان يا أمير المؤمنين ، فبكى عمر واسترجع ، وقال : ومن ويحك ؟ فقال : فلان ، وفلان ، وفلان ، حتى عد ناسا ، ثم قال : وآخرين يا أمير المؤمنين لا تعرفهم ، فقال : عمر رضوان الله عليه وهو يبكي : لا يضرهم أن لا يعرفهم عمر لكن الله يعرفهم
                                                                                                                          .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          الخدمات العلمية