الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ استئجار الشمع ليشعله ]

المثال الخامس : لا يجوز استئجار الشمع ليشعله ، لذهاب عين المستأجر ، والحيلة في تجويز هذا العقد أن يبيعه من الشمعة أواقي معلومة ، ثم يؤجره إياها ، فإن كان الذي أشعل منها ذلك القدر ، وإلا احتسب له بما أذهبه منها ، وأحسن من هذه الحيلة أن يقول : بعتك من هذه الشمعة كل أوقية منها بدرهم ، قل المأخوذ منها أو كثر ، وهذا جائز على أحد القولين في مذهب الإمام أحمد ، واختاره شيخنا ، وهو الصواب المقطوع به ، وهو مخرج على نص الإمام أحمد في جواز إجارة الدار كل شهر بدرهم ، وقد أجر علي كرم الله وجهه في الجنة نفسه كل دلو بتمرة ، ولا محذور في هذا أصلا ، ولا يفضي إلى تنازع ولا تشاحن ، بل عمل الناس في أكثر بياعاتهم عليه ، ولا يضره جهالة كمية المعقود عليه عند البيع ; لأن الجهالة المانعة من صحة العقد هي التي تؤدي إلى القمار والغرر ، ولا يدري العاقد على أي شيء يدخل ، وهذه لا تؤدي إلى شيء من ذلك ، بل إن أراد قليلا أخذ والبائع راض ، وإن أراد كثيرا أخذ والبائع راض ، والشريعة لا تحرم مثل هذا ولا تمنع منه ، بل هي أسمح من ذلك وأحكم .

فإن قيل : لكن في العقد على هذا الوجه محذوران ; أحدهما : تضمنه للجمع بين البيع والإجارة ، والثاني : أن مورد عقد الإجارة يذهب عينه أو بعضه بالإشعال .

قيل : لا محذور في الجمع بين عقدين كل منهما جائز بمفرده ، كما لو باعه سلعة وأجره داره شهرا بمائة درهم ، وأما مذهب إجزاء المستأجر بالانتفاع فإنما لم يجز ; لأنه لم يتعوض عنه المؤجر ، وعقد الإجارة يقتضي رد العين بعد الانتفاع ، وأما هذا العقد فهو عقد بيع يقتضي ضمان المتلف بثمنه الذي قدر له وأجرة انتفاعه بالعين قبل الإتلاف ، فالأجرة في مقابلة انتفاعه بها مدة بقائها ، والثمن في مقابلة ما أذهب منها ، فدعونا من تقليد آراء الرجال ، ما الذي حرم هذا ؟ وأين هو في كتاب الله وسنة رسوله أو أقوال الصحابة أو القياس [ ص: 266 ] الصحيح الذي يكون فيه الفرع مساويا للأصل ويكون حكم الأصل ثابتا بالكتاب أو السنة أو الإجماع ؟ وليس كلامنا في هذا الكتاب مع المقلد المتعصب المقر على نفسه بما شهد عليه به جميع أهل العلم أنه ليس من جملتهم فذاك وما اختار لنفسه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية