الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1512 [ ص: 113 ] حديث حادي عشر لابن شهاب عن عبيد الله

مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجارية له سوداء فقال : يا رسول الله ، إن علي رقبة مؤمنة ، فإن كنت تراها مؤمنة أعتقها ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتشهدين أن لا إله إلا الله ؟ قالت : نعم ، قال : فتشهدين أن محمدا رسول الله ؟ قالت : نعم ، قال : أتوقنين بالبعث ؟ قالت : نعم ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أعتقها .

التالي السابق


هكذا روى يحيى هذا الحديث فجود لفظه ، ورواه ابن بكير ، وابن القاسم بإسناده مثله ، إلا أنهما لم يذكرا " فإن كنت تراها مؤمنة " قالا : يا رسول الله ، علي رقبة مؤمنة أفأعتق هذه .

ورواه القعنبي بإسناده مثله وحذف منه أن علي رقبة مؤمنة وقال : إن رجلا الأنصار أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجارية له سوداء فقال : يا رسول الله ؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتشهدين . وذكر الحديث .

[ ص: 114 ] وفائدة الحديث : قوله إن علي رقبة مؤمنة ولم يذكره القعنبي ، ورواه ابن وهب عن يونس بن يزيد ، بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله ، أن رجلا من الأنصار أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجارية له سوداء ، فقال : يا رسول الله ، إن علي رقبة مؤمنة أفأعتق هذه ؟ وساق الحديث إلى آخره مثل رواية ابن القاسم وابن بكير سواء ، لم يقل : فإن كنت تراها مؤمنة أعتقها . ولم يختلف رواة الموطأ في إرسال هذا الحديث ، ورواه الحسين بن الوليد ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ حديث الموطأ سواء وجعله متصلا عن أبي هريرة مسندا ، ورواه الحسين هذا أيضا ، عن المسعودي ، عن عون بن عبد الله بن عتبة ، عن عبيد الله بن عتبة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، إلا أنه زاد في حديث المسعودي : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أعتقها فإنها مؤمنة . وليس في الموطأ - فإنها مؤمنة - وهذا الحديث ، وإن كان ظاهره في رواية مالك ، فإنه محمول على الاتصال للقاء عبيد الله جماعة من الصحابة .

[ ص: 115 ] وقد رواه معمر عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن رجل من الأنصار ، أنه جاء بأمة له سوداء ، فقال : يا رسول الله ، إن علي رقبة مؤمنة ، فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها . وساق الحديث بمثل رواية يحيى إلى آخرها ، ورواية معمر ظاهرها الاتصال .

وروى هذا الحديث عن عبيد الله ، عون بن عبد الله أخوه ، فجعله عن أبي هريرة ، وخالف في لفظه وفي معناه ، حدثني أحمد بن قاسم ، عن عبد الرحمن ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا عاصم بن علي وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن العوام ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا المسعودي ، عن عون بن عبد الله ، عن عبيد الله بن عتبة ، عن أبي هريرة ، قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجارية أعجمية ، فقال : يا رسول الله ، إن علي رقبة مؤمنة أفأعتق هذه ؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أين الله ؟ فأشارت إلى السماء ، فقال لها : فمن أنا ؟ فأشارت إليه وإلى السماء ، أي أنت رسول الله ، قال : أعتقها فإنها مؤمنة .

[ ص: 116 ] وهذا المعنى رواه مالك عن هلال بن أسامة ، وسيأتي القول فيه في باب هلال إن شاء الله .

وفي حديث مالك هذا من الفقه ، أن من شرط الشهادة التي بها يخرج من الكفر إلى الإيمان ، مع الإقرار بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله الإقرار بالبعث بعد الموت . وقد أجمع المسلمون على أن من أنكر البعث فلا إيمان له ولا شهادة ، وفي ذلك ما يغني ويكفي ، مع ما في القرآن من تأكيد الإقرار بالبعث بعد الموت ، فلا وجه للإنكار في ذلك . وفيه أن من جعل على نفسه رقبة مؤمنة نذر أن يعتقها ، أو وجبت عليه من كفارة قتل ، لم يجزه غير مؤمنة ، وإنما قلنا : من نذر أو كفارة قتل ; لأن كفارة الظهار والأيمان قد اختلف في ذلك ، فقيل : إنه يجزي فيها غير مؤمنة ، وللكلام في ذلك موضع غير هذا .

وروى يزيد بن هارون عن هشام ، عن الحسن ، قال : كل شيء في كتاب الله : فتحرير رقبة مؤمنة ، فمن قد صام وصلى وعقل ، وإذا قال : فتحرير رقبة ، فما شاء .

وفي هذا الحديث دليل على أن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فهو مؤمن إذا كان قلبه مصدقا لما ينطق به لسانه .

[ ص: 117 ] وفيه دليل على أن من شهد بهذه الشهادة ، جاز عتقه عمن عليه رقبة مؤمنة ، وإن لم يكن صام وصلى ، وكذلك العربي بين أبوين مسلمين لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل الجارية عن غير الشهادة كما في الحديث .

وقد احتج بهذا الحديث من قال : إن الإيمان قول وإقرار دون عمل ، وظاهره فيه دليل على ذلك ، لكن هاهنا دلائل غير هذا الحديث تدل على أن الإيمان قول وعمل ، يأتي ذكرها في باب ابن شهاب عن سالم إن شاء الله . وأما قول من قال من أهل العلم : إن من كانت عليه رقبة مؤمنة من كفارة قتل أو غير ذلك ، فإنه لا يجزئ فيه إلا من صام وصلى وعقل الإيمان ، فمحمل ذلك عند أهل العلم مدافعة جواز عتق الطفل في كفارة القتل ، وممن روي عنه أنه لا يجزئ في كفارة القتل ، إلا من صام وصلى وعقل الإيمان ، وأنه لا يجزئ الطفل وإن كان أبواه مؤمنين : ابن عباس والشعبي ، والحسن ، والنخعي ، وقتادة . وروي عن عطاء قال : كل رقبة ولدت في الإسلام فهي تجزئ ، وهو قول الزهري فيمن أحد أبويه مسلم .

قال : الأوزاعي سألت الزهري أيجزئ عتق الصبي المرضع في كفارة الدم ؟ قال : نعم لأنه ولد على الفطرة . وهو قول الأوزاعي ، وقال أبو حنيفة : إذا كان أحد أبويه مؤمنا ، جاز عتقه في كفارة القتل . وهو قول الشافعي ، إلا أن الشافعي يستحب أن لا يعتق إلا من يتكلم بالإيمان واختلف قول [ ص: 118 ] مالك وأصحابه على هذين القولين ، إلا أن مالكا يراعي إسلام الأب ولا يلتفت إلى الأم ، وأما الصبي من السبي ، فسنذكر حكمه في الصلاة عليه إذا مات في باب أبي الزناد إن شاء الله . وقال سفيان الثوري فيما روى عنه الأشجعي ، قال : لا يجزي في كفارة القتل الصبي ، ولا يجزي إلا رقبة مسلمة من صام وصلى .

قال أبو عمر :

وأجمع علماء المسلمين أن من ولد بين أبوين مسلمين وإن لم يبلغ حد الاختيار والتمييز ، فحكمه حكم الإيمان في الموارثة والصلاة عليه إن مات ، وما يجب له وعليه في الجنايات والمناكحات . وحدثني خلف بن القاسم ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ، وعمر بن محمد بن القاسم ، قالا : حدثنا بكر بن سهل ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : فتحرير رقبة مؤمنة قال : من قد عقل الإيمان وصام وصلى .

حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا محمد بن سليمان ، وموسى بن معاوية ، قالا : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : ما كان في القرآن من رقبة مؤمنة ، فلا يجزئ إلا من صام وصلى ، وما كان في القرآن رقبة ليست مؤمنة فالصبي يجزئ ، وعبد الرزاق ، عن الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم مثله ، إلا أنه قال : قد صلى ، وما لم تكن مؤمنة ، فيجزئ ما لم يصل - لم يذكر الصيام - والذي عليه الفقهاء أن عتق الصبي الذي أبواه مؤمنان يجزئ في الكفارة ، وإن استحبوا البالغ




الخدمات العلمية