الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في زكاة الفوائد من الذهب والفضة، وإذا اجتمع فوائد ودين

                                                                                                                                                                                        ومن أفاد عشرين دينارا أو مائتي درهم; لم تجب زكاتها بنفس الملك له حتى يمر عليها حول. فإن أفاد مالين; فإنه يراعي قدرهما والأوقات التي أفادهما فيها، فأما قدرهما فإنه لا يخلو من ثلاثة أوجه: إما أن يكونا نصابا بمجموعهما، أو يكون كل واحد منهما نصابا، أو يكون أحدهما نصابا والآخر دون النصاب. وكذلك الوقت الذي أفادهما فيه، فإنه لا يخلو من ثلاثة أوجه: إما أن يكون واحدا بعد واحد ثم بقيا في يده حتى يجمعهما الحول، أو اجتمعا في ملك ولم يجمعهما الحول، أو افترقا فلم يجتمعا في ملك ولا حول، فإن كان كل واحد منهما دون نصاب مثل: أن يفيد عشرة فأقامت في يده حولا، ثم أنفقها، ثم أفاد عشرة فأقامت في يده حولا، فلا زكاة عليه; لأنه لم يجمعهما ملك ولا حول.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا جمعهما الملك ولم يجمعهما الحول، مثل: أن يفيد عشرة فأقامت العشرة في يده ستة أشهر، ثم أفاد عشرة فأقامت في يده ستة أشهر، فحال الحول على الأولى فأنفقها، ثم أقامت الثانية ستة أشهر فتم حولها، فقال ابن القاسم: لا زكاة عليه; لأنه لم يجمعهما حول. وقال أشهب: يزكي عن العشرين جميعا. وإن بقيت في يده العشرة الأولى حتى حال الحول على الثانية; زكاهما على القولين جميعا. [ ص: 908 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف في حول الأولى، فقال ابن القاسم: حولها حول الثانية، لا يفترقان أبدا. وقال أشهب: يعود حول الأولى يوم كان تم حولها، فإن ربح فيها وفي الثانية ما تعودان به إلى نصاب، زكاهما جميعا على حولهما.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا أفاد عشرة ثم عشرين، أو عشرين ثم عشرة في صفة الأحوال على نحو ما تقدم في الاقتضاء، إذا اقتضى عشرة ثم عشرين، أو عشرين ثم عشرة.

                                                                                                                                                                                        فعلى قول ابن القاسم; إن تقدمت العشرة، زكيت على حول العشرين، وإن تأخرت زكيت على حولها ولم تضم إلى العشرين. فعلى قول أشهب; تزكى العشرة على حولها وإن تقدمت. وعلى قول ابن مسلمة إذا زكيت العشرون; ضمت إلى العشرة، وزكيت فيما بعد ذلك على حولها.

                                                                                                                                                                                        وإن كان في كل فائدة عشرون; زكيت كل واحدة بانفرادها، ولا يزالان على ذلك ما لم ينقصا إذا جمعا عن عشرين دينارا أو مائتي درهم، ويراعى حينئذ من أيهما ابتدأ النقص، فإن كان حول الأولى المحرم، والثانية رجب فأتى المحرم وفي كل واحدة عشرة دنانير زكى الأولى ربع دينار ثم يجمعهما على مذهب ابن القاسم، وقد سقطت الزكاة من الثانية إلا أن يتجر في أحدهما; فيزكي الثانية، فإن ربح قبل رجب أو عند حلول الثانية; زكاها على حولها، وإن ربح في شعبان أو رمضان زكاها حينئذ وانتقل حولها إلى يوم زكاها، وإن [ ص: 909 ] لم يربح حتى أتى المحرم; زكاهما جميعا ولم يفترقا أبدا. فإن كان النقص من الثانية; لأنه زكى الأولى ولم ينقصا عن عشرين، فلما زكى الثانية نقصتا جميعا فجمعهما إن شاء.

                                                                                                                                                                                        وإن ربح في إحداهما قبل المحرم زكى التي في المحرم وبقيت على حولها. وإن ربح في صفر أو فيما بعد ذلك وقبل رجب; زكاها حينئذ، ويكون ذلك حولها. وإن ربح في رجب زكاهما ولم يفترقا أبدا.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب ابن حبيب: إذا زكيت الأولى ثم أنفقها أو تلفت; أنه يزكي الثانية إذا حال عليها الحول وإن لم يكن في يده سوى عشرة.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن مسلمة في رجل أفاد مائتي درهم، ثم أفاد بعد ستة أشهر ألف درهم، فزكى المائتين عند تمام حولها، ثم زكى الألف أيضا عند تمام حولها، فإذا مرت ستة أشهر بعد ذلك فحال على المائتين الحول لم يزكها; لأنها ناقصة عن النصاب، فإذا بلغت حول الألف وقت زكاتها اختلطت بها وزكيت معها، فرأى أنه لما زكى الألف صار بمنزلة ما لو أفاد تلك الألف وقت زكاها، فلا يؤمر بزكاة المائتين; لأنها أقل من نصاب، والألف حينئذ لم يحل عليها الحول. [ ص: 910 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية