الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              5087 (17) باب

                                                                                              ذبح الموت وخلود أهل الجنة وأهل النار

                                                                                              [ 2765 ] عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجاء بالموت . وفي رواية : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار - يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون من هذا ؟ فيشرئبون فينظرون ، فيقولون : نعم ، هذا الموت ، قال : ويقال : يا أهل النار هل تعرفون هذا ؟ قال : فيشرئبون وينظرون فيقولون : نعم ، هذا الموت . قال : فيؤمر به فيذبح ، قال : ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون [ مريم : 39 ] وأشار بيده إلى الدنيا .

                                                                                              رواه مسلم (2849) (40 و 41) .

                                                                                              [ ص: 190 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 190 ] (17) ومن باب : ذبح الموت

                                                                                              (قوله : " يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح ") قد تقدم الكلام على الأملح في الضحايا ، وأنه الذي فيه بياض وسواد ، والبياض أكثر ، كما قاله الكسائي . وقيل : يحتمل أن تكون الحكمة في كون هذا الكبش أملح لأن البياض من جهة الجنة ، والسواد من جهة النار . قلت : ظاهر هذا الحديث مستحيل ، وذلك أن العقلاء اتفقوا على : أن الموت : إما عرض مخصوص ، وإما نفي الحياة ، ولم يذهب أحد إلى أنه من قبيل الجواهر ، وأيضا : فإن المدرك من الموت والحياة إنما هما أمران متضادان متعاقبان على الجواهر ، كالحركة وكالسكون ، وقد دل على ذلك من جهة السمع قوله تعالى : خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ تبارك : 2 ] فهذا يبطل قول من قال من المعتزلة : إن الموت عدم الحياة ; لأن العدم لا يخلق ، ولا يوجب اختصاصا للجواهر . واستيفاء المباحث العقلية في علم الكلام ، وإذا تقرر ذلك استحال أن ينقلب الموت كبشا ; لأن ذلك انقلاب الحقائق وهو محال . وقد تأول الناس ذلك الخبر على وجهين :

                                                                                              أحدهما : أن الله تعالى خلق صورة كبش خلق فيها الموت ، فلما رآه أهل [ ص: 191 ] الجنة وأهل النار وعرفوه ، فعل الله فيه فعلا يشبه الذبح ، أعدمه عند ذلك الفعل حتى يأمنه أهل الجنة ، فيزدادوا سرورا إلى سرورهم ، وييأس منه أهل النار فيزدادوا حزنا إلى حزنهم ، وعلى هذا يدل باقي الحديث ، ولا إحالة في شيء من ذلك ولا بعد .

                                                                                              والوجه الثاني : أن المراد بالحديث تمثيل عدم الموت على جهة التشبيه والاستعارة ، ووجهه : أن الموت لما عدم في حق هؤلاء صار بمثابة الكبش الذي يذبح فينعدم ، فعبر عنه بذلك ، وهذا فيه بعد وتحميل للكلام على ما لا يصلح له ، والوجه المعني : الأول . والله أعلم .

                                                                                              ويشرئبون : يرفعون رؤوسهم ويتشوفون ليبصروا ما عرض عليهم .

                                                                                              و (قوله : وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر الآية [ مريم : 39 ] ، ومعنى أنذرهم : أعلمهم وحذرهم ، والنذارة : إعلام بالشر ، والبشارة : إعلام بالخير ، ويوم الحسرة : يعني به زمن ذبح الموت إذا سمعوا : خلود فلا موت . وقضي : بمعنى أحكم وتمم . والأمر : يعني به خلود أهل النار فيها .

                                                                                              و (قوله : وهم في غفلة وهم لا يؤمنون [ مريم : 39 ] استئناف خبر عما كانوا عليه في الدنيا ، لا تعلق له بما قبله ، يدل عليه قوله في الحديث : وأشار بيده إلى الدنيا ، يعني أنهم كانوا كذلك في الدنيا ، والله تعالى أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية