الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وإن توضأ ثم قطعت يده لم يلزمه غسل ما ظهر بالقطع من الحدث وكذا لو مسح شعر رأسه ثم حلقه لم يلزمه مسح ما ظهر ، لأن ذلك ليس ببدل عما تحته فلم يلزمه بظهوره طهارة كما لو غسل يده ثم كشط جلده ، فإن أحدث بعد ذلك لزمه غسل ما ظهر بالقطع لأنه صار ظاهرا ، وإن حصل في يده ثقب لزمه غسل باطنه لأنه صار ظاهرا ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) اتفق أصحابنا على أن من توضأ ثم قطعت يده من محل الفرض أو رجله أو حلق رأسه أو كشطت جلدة من وجهه أو يده لم يلزمه [ ص: 426 ] غسل ما ظهر ولا مسحه ما دام على تلك الطهارة ، وهذا لا خلاف فيه عندنا . ونقله ابن الصباغ عن نص الشافعي - رحمه الله في البويطي . وكذا رأيته أنا في البويطي وهو قول جمهور السلف وحكي عن مجاهد والحكم وحماد وعبد العزيز من أصحاب مالك ومحمد بن جرير الطبري أنهم أوجبوا طهارة ذلك العضو . ووقع في النهاية والوسيط في هذه المسألة غلط فقالا : لا يلزمه غسل ذلك خلافا لابن خيران ، قال في النهاية : نقله العراقيون عن ابن خيران فيقتضي هذا أن يكون وجها في المذهب ، فإن أبا علي بن خيران من كبار أصحابنا أصحاب الوجوه ومتقدميهم في العصر والمرتبة ، ولكن هذا غلط وتصحيف ، وقد اتفق المتأخرون على أن هذا غلط وتصحيف ، وأن صوابه : ( خلافا لابن جرير ) بالجيم وهو إمام مستقل لا يعد قوله وجها في مذهبنا ، وقد نقله أصحابنا العراقيون والخراسانيون أجمعون ، والغزالي أيضا في البسيط عن ابن جرير والله أعلم .

                                      وقوله : لم يلزمه غسل ما ظهر بالقطع من الحدث ، احتراز من النجس فإنه يجب غسل المقطع من النجاسة إن كانت ، فإن خاف من غسله فهي مسألة من على قرحه دم يخاف من غسله فيصلي بحاله ويلزمه الإعادة في الجديد إن كان دما كثيرا بحيث لا يعفى عنه . وقوله : لأن ذلك ليس ببدل عما تحته فيه إشارة إلى الفرق بينه وبين الخف وقوله : إن أحدث بعد ذلك لزمه غسل ما ظهر ، كذا قاله أصحابنا واتفقوا عليه وقد ذكر في فصل غسل الوجه في مسائل الفرع وجهين فيما لو تطهر ثم قطع أنفه أو شفته هل يلزمه غسل ما ظهر ؟ وقوله : وإن حصل في يده ثقب لزمه غسل باطنه ، هذا متفق عليه ، ويقال : ثقب وثقب بفتح الثاء وضمها لغتان ذكرهما الفارابي في ديوان الأدب أشهرهما الفتح والله أعلم



                                      ( فرع ) في مسائل تتعلق بغسل اليد : ( إحداها ) قال أبو القاسم الصيمري وصاحبه الماوردي في الحاوي : يستحب أن يبدأ في غسل يديه من أطراف أصابعه فيجري الماء على يده ويدير كفه الأخرى عليها مجريا للماء بها إلى مرفقه ولا يكتفي بجريان الماء بطبعه ، [ ص: 427 ] فإن صب عليه غيره بدأ بالصب من مرفقه إلى أطراف الأصابع ويقف الصاب عن يساره



                                      ( الثانية ) : قال أصحابنا : إذا كان في أصبعه خاتم فلم يصل الماء إلى ما تحته وجب إيصال الماء إلى ما تحته بتحريكه أو خلعه وإن تحقق وصوله استحب تحريكه ، وروى البيهقي فيه حديثا { أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان إذا توضأ حرك خاتمه } لكنه ضعيف ، قال البيهقي : والاعتماد على الأثر فيه عن علي وغيره ، ثم روي عن علي وابن عمر رضي الله عنهم أنهما كانا إذا توضآ حركا الخاتم



                                      ( الثالثة ) : يستحب دلك اليدين وقد سبق بيانه في غسل الوجه ، ويستحب تخليل أصابعهما وسنوضحه في مسألة تخليل الرجلين إن شاء الله تعالى . ولو كان على يده شعر كثيف لزمه غسله مع البشرة تحته لندوره ، وقد سبق بيانه في فصل الوجه .



                                      ( الرابعة ) : إذا قطعت يده فيه ثلاثة أحوال ذكرها الشافعي - رحمه الله في الأم والأصحاب : ( أحدها ) تقطع من تحت المرفق فيجب غسل باقي محل الفرض بلا خلاف .

                                      ( والثاني ) يقطع فوق المرفق فلا فرض ، عليه ويستحب غسل الباقي كما سبق .

                                      ( الثالث ) يقطع من نفس المرفق بأن يغسل الذراع ويبقى العظمات ، فنقل الربيع في الأم أنه يجب غسل ما بقي من المرفق وهو العظمات ، ونقل المزني في المختصر أنه لا يجب ، وحكى عن القديم أنه لا يجب . واختلف الأصحاب فيه على طريقين ( أحدهما ) يجب غسله قولا واحدا وبهذا قطع الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وباقي العراقيين أو أكثرهم ، قالوا : وغلط المزني في النقل وكان صوابه أن يقول : قطع من فوق المرفق ، فأسقط لفظة فوق .

                                      ( والطريق الثاني ) فيه قولان وهذا مشهور عند الخراسانيين ، وقطع به المتولي ، والغزالي في الوجيز ، أصح القولين وجوبه واختلفوا في أصل القولين فقيل : هما مبنيان على أن غسل العظمات المحيطين بإبرة الذراع كان قبل القطع تبعا للإبرة أم مقصودا ؟ وفيه قولان ، فإن قلنا : تبعا لم يجب وإلا وجب ، وقيل : مبنيان على أن حقيقة المرفق ماذا ؟ [ ص: 428 ] ففي قول هو إبرة الذراع الداخلة بين ذينك العظمات ، وفي قول هو الإبرة مع العظمات ، فعلى الأول لا يجب ، وعلى الثاني يجب والله أعلم




                                      الخدمات العلمية