الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ( 152 ) ) .

قال عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما أنزل الله : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) و إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) الآية [ النساء : 10 ] ، فانطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله [ ص: 364 ] ويفسد . فاشتد ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : ( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم ) [ البقرة : 220 ] ، قال : فخلطوا طعامهم بطعامهم ، وشرابهم بشرابهم . رواه أبو داود .

وقوله : ( حتى يبلغ أشده ) قال الشعبي ، ومالك ، وغير واحد من السلف : يعني : حتى يحتلم .

وقال السدي : حتى يبلغ ثلاثين سنة ، وقيل : أربعون سنة ، وقيل : ستون سنة . قال : وهذا كله بعيد هاهنا ، والله أعلم .

وقوله : ( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ) يأمر تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء ، كما توعد على تركه في قوله تعالى : ( ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ) [ المطففين : 1 - 6 ] . وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان .

وفي كتاب الجامع لأبي عيسى الترمذي ، من حديث الحسين بن قيس أبي علي الرحبي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكيل والميزان : " إنكم وليتم أمرا هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم . ثم قال : لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث الحسين ، وهو ضعيف في الحديث ، وقد روي بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفا .

قلت : وقد رواه ابن مردويه في تفسيره ، من حديث شريك ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم معشر الموالي قد بشركم الله بخصلتين بها هلكت القرون المتقدمة : المكيال والميزان .

وقوله تعالى : ( لا نكلف نفسا إلا وسعها ) أي : من اجتهد في أداء الحق وأخذه ، فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه .

وقد روى ابن مردويه من حديث بقية ، عن مبشر بن عبيد ، عن عمرو بن ميمون بن مهران ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها ) فقال : " من أوفى على يده في الكيل والميزان ، والله يعلم صحة نيته بالوفاء فيهما ، لم يؤاخذ " وذلك تأويل ( وسعها ) هذا مرسل غريب .

[ ص: 365 ] وقوله : ( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ) كما قال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ) [ المائدة : 8 ] ، وكذا التي تشبهها في سورة النساء [ الآية : 135 ] ، يأمر تعالى بالعدل في الفعال والمقال ، على القريب والبعيد ، والله تعالى يأمر بالعدل لكل أحد ، في كل وقت ، وفي كل حال .

وقوله : ( وبعهد الله أوفوا ) قال ابن جرير : يقول وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا . وإيفاء ذلك : أن تطيعوه فيما أمركم ونهاكم ، وتعملوا بكتابه وسنة رسوله ، وذلك هو الوفاء بعهد الله .

ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ) يقول تعالى : هذا وصاكم به ، وأمركم به ، وأكد عليكم فيه ( لعلكم تذكرون ) أي : تتعظون وتنتهون عما كنتم فيه قبل هذا ، وقرأ بعضهم بتشديد " الذال " ، وآخرون بتخفيفها .

التالي السابق


الخدمات العلمية