الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الثالث : في أحكامه اختار الإمام فخر الدين أن المنقطع مجاز ، وفيه خلاف ، ووافقه القاضي عبد الوهاب ، وذكر أن قول القائل له عندي مائة دينار إلا ثوبا من هذا الباب ، وأنه جائز على المجاز ، وأنه يرجع إلى المعنى بطريق القيمة خلافا لمن قال إنه مقدر بلكن ، ولمن قال إنه كالمتصل . ويجب اتصال الاستثناء بالمستثنى منه عادة خلافا لابن عباس رضي الله عنه . قال الإمام فخر الدين إن صح النقل عنه يحمل على ما إذا نوى عند التلفظ ، ثم أظهره بعد ذلك ، واختار [ ص: 97 ] القاضي عبد الوهاب جواز استثناء الأكثر ، ووافقه الإمام فخر الدين ، واختار القاضي أبو بكر أنه يجب أن يكون أقل ، وقيل قد يجوز المساوي دون الأكثر لقوله تعالى : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك ) . ومعلوم أنه أكثر ، والاستثناء من الإثبات نفي اتفاقا ، ومن النفي إثبات خلافا لأبي حنيفة - رحمه الله - ومن أصحابه المتأخرين من يحكي التسوية بينهما في عدم إثبات نقيض المحكوم به بعد إلا . لنا : أنه المتبادر عرفا ، فيكون لغة لأن الأصل عدم النقل والتغيير .

                                                                                                                واعلم أن الكل اتفقوا على إثبات نقيض ما قبل الاستثناء لما بعده ، ولكنهم اختلفوا ، فنحن نثبت نقيض المحكوم به ، والحنفية يثبتون نقيض الحكم ، فيصير ما بعد الاستثناء غير محكوم عليه بنفي ولا إثبات ، وإذا تعقب الاستثناء الجمل يرجع إلى جملتها عند مالك والشافعي رحمهما الله ، وعند أصحابهما ، وإلى الأخيرة عند أبي حنيفة ، ومشترك بين الأمرين عند الشريف المرتضى ، ومنهم من فصل ، فقال : إن تنوعت الجملتان بأن تكون إحداهما خبرا ، والأخرى أمرا عاد إلى الأخيرة فقط ، وإن لم تتنوع الجملتان ، ولا كان حكم إحداهما في الأخرى ، ولا أضمر اسم إحداهما في الأخرى ، فكذلك أيضا ، وإلا عاد إلى الكل ، واختاره الإمام فخر الدين ، وتوقف القاضي أبو بكر منا في الجميع ، وإذا عطف استثناء على استثناء ، فإن كان الثاني بحرف عطف ، أو هو أكثر من الاستثناء الأول ، أو مساويا له عاد إلى أصل الكلام لاستحالة العطف في الاستثناء وإخراج الأكثر أو المساوي ، وإلا عاد إلى الاستثناء الأول ترجيحا للقرب ، ونفيا للغو الكلام .

                                                                                                                [ ص: 98 ] فائدتان

                                                                                                                الأولى : قد يكون الاستثناء عبارة عما لولاه لعلم دخوله ، أو ما لولاه لظن دخوله ، أو ما لولاه لجاز دخوله ، أو ما لولاه لقطع بعدم دخوله ، فهذه أربعة أقسام : فالأول الاستثناء من النصوص نحو له عندي عشرة إلا اثنين ، والثاني الاستثناء من الظواهر نحو اقتلوا المشركين إلا زيدا ، والثالث الاستثناء من المحال والأزمان والأحوال نحو أكرم رجلا إلا زيدا ، أو عمرا ، وصل إلا عند الزوال لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ، والرابع الاستثناء المنقطع نحو رأيت القوم إلا حمارا .

                                                                                                                الثانية : أن إطلاق العلماء أن الاستثناء من النفي إثبات يجب أن يكون مخصصا ، فإن الاستثناء يرد على الإثبات والشروط والموانع والأحكام والأمور العامة التي لم ينطق بها ، فالأول نحو لا عقوبة إلا بجناية ، والثاني نحو لا صلاة إلا بطهارة ، والثالث نحو لا تسقط الصلاة عن امرأة إلا بالحيض ، والرابع نحو قام القوم إلا زيدا ، والخامس نحو قوله تعالى : ( لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ) . ولما كانت الشروط لا يلزم من وجودها الوجود ولا العدم - لم يلزم من الحكم بالنفي قبل الاستثناء لعدم الشرط الحكم بالوجود بعد الاستثناء لأجل وجوده ، فيكون مطردا فيما عدا الشرط .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية