الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله - عز وجل -:

ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون

"ثم"؛ في هذه الآية إنما مهلتها في ترتيب القول الذي أمر به محمد - صلى اللـه عليه وسلم -؛ كأنه قال: "ثم مما قضيناه أنا آتينا موسى الكتاب"؛ ويدعو إلى ذلك أن موسى - عليه السلام - متقدم بالزمان على محمد - صلى اللـه عليه وسلم -؛ وتلاوته ما حرم الله تعالى ؛ و"الكتاب": التوراة؛ و"تماما"؛ نصب على المصدر.

[ ص: 496 ] وقوله تعالى على الذي أحسن ؛ مختلف في معناه؛ فقالت فرقة: "الذي"؛ بمعنى: "الذين"؛ و"أحسن"؛ فعل ماض؛ صلة "الذين"؛ وكأن الكلام: "وآتينا موسى الكتاب تفضلا على المحسنين من أهل ملته؛ وإتماما للنعمة عندهم"؛ هذا تأويل مجاهد ؛ وفي مصحف عبد الله : "تماما على الذين أحسنوا"؛ فهذا يؤيد ذلك التأويل؛ وقالت فرقة: "الذي"؛ غير موصولة؛ والمعنى: "تماما على ما أحسن هو من عبادة ربه؛ والاضطلاع بأمور نبوته"؛ يريد موسى - عليه السلام -؛ هذا تأويل الربيع؛ وقتادة ؛ وقالت فرقة: المعنى: "تماما - أي: تفضلا وإكمالا - على الذي أحسن الله تعالى فيه إلى عباده؛ من النبوات؛ والنعم؛ وغير ذلك؛ فـ "الذي"؛ أيضا في هذا التأويل غير موصولة؛ وهذا تأويل ابن زيد .

وقرأ يحيى بن يعمر ؛ وابن أبي إسحاق : "تماما على الذي أحسن"؛ بضم النون؛ فجعلها صفة تفضيل؛ ورفعها على خبر ابتداء مضمر؛ تقديره: "على الذي هو أحسن"؛ وضعف أبو الفتح هذه القراءة؛ لقبح حذف المبتدإ العائد؛ وقال بعض نحويي الكوفة: يصح أن يكون "أحسن"؛ صفة لـ "الذي"؛ من حيث قارب المعرفة؛ إذ لا تدخله الألف واللام؛ كما تقول العرب: "مررت بالذي خير منك"؛ ولا يجوز: "بالذي عالم"؛ وخطأ الزجاج هذا القول الكوفي؛ و"وتفصيلا"؛ يريد: بيانا؛ وتقسيما؛ و"لعلهم"؛ ترج؛ بالإضافة إلى البشر؛ و"بلقاء ربهم"؛ أي بالبعث؛ الذي الإيمان به نهاية تصديق الأنبياء - صلوات الله عليهم -؛ إذ لا تلزمه العقول بذواتها؛ وإنما ثبت بالسمع؛ مع تجويز العقل له.

التالي السابق


الخدمات العلمية