الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ( 5 ) لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ( 6 ) )

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم خليله والذين معه : يا ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا بك فجحدوا وحدانيتك ، وعبدوا غيرك ، بأن تسلطهم علينا ، فيروا أنهم على حق ، وأنا على باطل ، فتجعلنا بذلك فتنة لهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ) قال : لا تعذبنا بأيديهم ، [ ص: 320 ] ولا بعذاب من عندك ، فيقولوا : لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ) قال : يقول : لا تظهرهم علينا فيفتتنوا بذلك . يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه .

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ) يقول : لا تسلطهم علينا فيفتنونا .

وقوله : ( واغفر لنا ربنا ) يقول : واستر علينا ذنوبنا بعفوك لنا عنها يا ربنا ، ( إنك أنت العزيز الحكيم ) يعني : الشديد الانتقام ممن انتقم منه ، الحكيم يقول : الحكيم في تدبيره خلقه ، وصرفه إياهم فيما فيه صلاحهم .

وقوله : ( لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ) يقول تعالى ذكره : لقد كان لكم أيها المؤمنون قدوة حسنة في الذين ذكرهم إبراهيم والذين معه من الأنبياء صلوات الله عليهم والرسل ( لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ) يقول : لمن كان منكم يرجو لقاء الله ، وثواب الله ، والنجاة في اليوم الآخر .

وقوله : ( ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ) يقول تعالى ذكره : ومن يتول عما أمره الله به وندبه إليه منكم ومن غيركم ، فأعرض عنه وأدبر مستكبرا ، ووالى أعداء الله ، وألقى إليهم بالمودة ، فإن الله هو الغني عن إيمانه به ، وطاعته إياه ، وعن جميع خلقه ، الحميد عند أهل المعرفة بأياديه ، وآلائه عندهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية