الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5576 ) مسألة قال : وإذا تزوجها على محرم ، وهما مسلمان ، ثبت النكاح ، وكان لها مهر المثل ، أو نصفه إن كان طلقها قبل الدخول . في هذه المسألة ثلاث مسائل : ( 5577 ) المسألة الأولى أنه إذا سمى في النكاح صداقا محرما ، كالخمر والخنزير ، فالتسمية فاسدة ، والنكاح صحيح . نص عليه أحمد وبه قال عامة الفقهاء ; منهم الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            وحكي عن أبي عبيد أن النكاح فاسد . واختاره أبو بكر عبد العزيز ، قال لأن أحمد قال في رواية المروذي : إذا تزوج على مال غير طيب ، فكرهه . فقلت : ترى استقبال النكاح ؟ فأعجبه . وحكي عن مالك أنه إن كان بعد الدخول ، ثبت النكاح ، وإن كان قبله ، فسخ ، واحتج من أفسده بأنه نكاح جعل الصداق فيه محرما ، فأشبه نكاح الشغار .

                                                                                                                                            ولنا أنه نكاح لو كان عوضه صحيحا كان صحيحا فوجب أن يكون صحيحا وإن كان عوضه فاسدا ، كما لو كان مغصوبا أو مجهولا ، ولأنه عقد لا يفسد بجهالة العوض ، فلا يفسد بتحريمه كالخلع ، ولأن فساد العوض لا يزيد على عدمه ، ولو عدم كان العقد صحيحا ، فكذلك إذا فسد ، وكلام أحمد في رواية المروذي ، محمول على الاستحباب ; فإن مسألة المروذي في المال الذي ليس بطيب ، وذلك لا يفسد العقد بتسميته فيه اتفاقا .

                                                                                                                                            وما حكي عن مالك لا يصح ; فإن ما كان فاسدا قبل الدخول ، فهو بعده فاسد ، كنكاح ذوات المحارم ، فأما إذا فسد الصداق لجهالته أو عدمه ، أو العجز عن تسليمه ، فإن النكاح ثابت . لا نعلم فيه خلافا ، وقول الخرقي : " وهما مسلمان " . احتراز من الكافرين إذا عقد النكاح بمحرم ، فإن هذه قد مر تفصيلها .

                                                                                                                                            ( 5578 ) المسألة الثانية : أنه يجب مهر المثل . وهذا قول أكثر أهل العلم منهم مالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي . وذلك لأن فساد العوض يقتضي رد المعوض وقد تعذر رده لصحة النكاح ، فيجب رد قيمته ، وهو مهر المثل ، كمن اشترى شيئا بثمن فاسد ، فقبض المبيع ، وتلف في يده فإنه يجب عليه رد قيمته . فإن دخل [ ص: 171 ] بها استقر مهر المثل ، في قولهم جميعا وإن مات أحدهما ، فكذلك ، لأن الموت يقوم مقام الدخول في تكميل الصداق وتقريره ، وقال أبو الخطاب : فيه رواية أخرى ، لا يستقر بالموت ، إلا أن يكون قد فرضه لها . وإن طلق قبل الدخول ، فلها نصف مهر المثل وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي : لها المتعة ; لأنه لو لم يسم لها صداقا كان لها المتعة ، فكذلك إذا سمى لها تسمية فاسدة ; لأن هذه التسمية كعدمها . وذكر القاضي ، في الجامع أنه لا فرق بين من لم يسم لها صداقا ، وبين من سمى لها محرما كالخمر ، أو مجهولا كالثوب وفي الجميع روايتان ; إحداهما ، لها المتعة إذا طلقها قبل الدخول ، لأن ارتفاع العقد يوجب رفع ما أوجبه من العوض كالبيع ، لكن تركناه في نصف المسمى لتراضيهما عليه ، فكان ما تراضيا عليه أولى ففي مهر المثل يبقى على الأصل في أنه يرتفع وتجب المتعة .

                                                                                                                                            والثانية ، أن لها نصف مهر المثل ; لأن ما أوجبه عقد النكاح يتنصف بالطلاق قبل الدخول ، ومهر المثل قد أوجبه العقد ، فيتنصف به كالمسمى . والخرقي فرق بينهما ، فأوجب في التسمية الفاسدة نصف مهر المثل ، وفي المفوضة المتعة . وهو مذهب الشافعي ; لأن المفوضة رضيت بلا عوض ، وعاد إليها بضعها سليما ، وإيجاب نصف المهر لها لا وجه له ; لأن الله تعالى أوجب لها المتعة ، ففي إيجاب نصف المهر جمع بينهما أو إسقاط للمتعة المنصوص عليها ، وكلاهما فاسد .

                                                                                                                                            وأما التي اشترطت لنفسها مهرا ، فلم ترض إلا بعوض ، ولم يحصل لها العوض الذي اشترطته ، فوجب لها بدل ما فات عليها من العوض ، وهو مهر المثل ، أو نصفه إن كان قبل الدخول ، ولأن الأصل وجوب مهر المثل ، لأنه وجب بالعقد ، بدليل أنه يستقر بالدخول والموت ، وإنما خولف هذا في المفوضة بالنص الوارد فيها ، ففيما عداها يبقى على الأصل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية