قال المصنف رحمه الله تعالى ( المزدلفة ، لحديث وإذا غربت الشمس دفع إلى - كرم الله وجهه - ويمشي وعليه السكينة لما روى علي رضي الله عنهما { الفضل بن عباس عرفة وغداة جمع حين دفعوا : عليكم بالسكينة } فإذا وجد فرجة أسرع لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس عشية رضي الله عنه " { أسامة بالمزدلفة } على ما بيناه في كتاب الصلاة ، فإن صلى كل واحدة منهما في وقتها جاز ; لأن الجمع رخصة لأجل السفر فجاز له تركه . ويثبت بها إلى أن يطلع الفجر الثاني ، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص ، ويجمع بين المغرب والعشاء { جابر المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء ، واضطجع حتى إذا طلع الفجر صلى الفجر } وفي أي موضع من أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة بات أجزأه ، لما روى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ابن عباس المزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر } وهل يجب المبيت بمزدلفة أم لا ؟ فيه قولان ( أحدهما ) يجب لأنه نسك مقصود في موضع فكان واجبا كالرمي ( والثاني ) أنه سنة لأنه مبيت فكان سنة كالمبيت بمنى ليلة عرفة ، فإن قلنا إنه يجب وجب بتركه الدم وإن قلنا إنه سنة لم يجب بتركه الدم .
ويستحب أن يؤخذ منها حصى جمرة العقبة لما روى { الفضل بن العباس } ولأن السنة إذا أتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال غداة يوم النحر القط لي حصى ، فلقطت له حصيات مثل حصى الخذف منى لا يعرج على غير الرمي ، فاستحب أن يأخذ الحصى حتى لا يشتغل عن الرمي ، وإن أخذ الحصى من غيرها جاز لأن الاسم يقع عليه . ويصلي الصبح بالمزدلفة في أول الوقت وتقديمها أفضل ، لما روى [ ص: 144 ] عبد الله قال { } ولأنه يستحب الدعاء بعدها فاستحب تقديمها ليكثر الدعاء . فإذا صلى وقف على ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها إلا المغرب والعشاء بجمع ، وصلاة الفجر يومئذ قبل ميقاتها قزح وهو المشعر الحرام ويستقبل القبلة ويدعو الله تعالى ، لما روى { جابر المشعر الحرام واستقبل القبلة فدعا الله عز وجل وكبر وهلل ووحد ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا ثم دفع قبل أن تطلع الشمس } والمستحب أن يدفع قبل طلوع الشمس لحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب القصواء حتى رقي على ، فإن أخر الدفع حتى طلعت الشمس كره لما روى جابر المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس على رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوههم ، وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس ليخالف هدينا هدي أهل الأوثان والشرك } فإن قدم الدفع بعد نصف الليل وقبل طلوع الفجر جاز لما روت كانوا يدفعون من رضي الله عنها { عائشة سودة رضي الله عنها كانت امرأة ثبطة ، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل الإفاضة ليلا في ليلة المزدلفة فأذن لها } " والمستحب إذا دفع من أن المزدلفة أن يمشي وعليه السكينة ، لما ذكرناه من حديث ، وإذا وجد فرجة أسرع كما يفعل في الدفع من عرفة . الفضل بن عباس
والمستحب إذا بلغ وادي محسر أن يسرع إذا كان ماشيا أو يحرك دابته إذا كان راكبا بقدر رمية حجر ، لما روى { جابر وادي محسر } ) أن النبي صلى الله عليه وسلم حرك قليلا في
- يسير إلى المزدلفة وعليه السكينة والوقار على عادة سيره
- يؤخروا صلاة المغرب ويجمعوا بينهما وبين العشاء في المزدلفة في وقت العشاء
- فرع أن يبقى بالمزدلفة حتى يطلع الفجر
- يستحب أن يغتسل بالمزدلفة بعد نصف الليل للوقوف بالمشعر الحرام
- يأخذ من المزدلفة سبع حصيات لرمي جمرة العقبة يوم النحر
- فرع يستحب أن لا يكسر الحصى في رمي الجمار
- فرع تقديم الضعفاء من النساء وغيرهن من مزدلفة قبل طلوع الفجر
- إذا طلع الفجر أن يبادر الإمام والناس بصلاة الصبح في أول وقتها
- يرتحلوا بعد صلاة الصبح من موضع مبيتهم متوجهين إلى المشعر الحرام
- فرع مذاهب العلماء في الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة
- فرع مذاهب العلماء في المبيت بمزدلفة ليلة النحر
- فرع أن يبقى بمزدلفة حتى يطلع الفجر
- فرع أن يقف بعد صلاة الصبح على قزح
- فرع المشعر الحرام المذكور في القرآن الذي يؤمر بالوقوف عليه
- فرع غسل حصى الجمار
التالي
السابق
( الشرح ) أما حديث رضي الله عنه فسبق في فصل الوقوف علي بعرفات أنه حديث صحيح . ومما في معناه حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { جابر } رواه لم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص . وحديث مسلم رواه الفضل بن العباس ، وحديث مسلم رواه أسامة البخاري . وحديث ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم " أتى جابر المزدلفة " إلى آخره رواه بلفظه وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع مسلم بالمزدلفة تلك الليلة بين المغرب والعشاء من رواية جماعات من الصحابة ، منهم ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبو أيوب [ ص: 145 ] الأنصاري وأسامة بن زيد ، وكل رواياتهم في صحيح وجابر البخاري إلا ومسلم ففي جابرا خاصة . وأما حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ابن عباس المزدلفة كلها موقف ، وارتفعوا عن بطن محسر } فرواه بإسناد فيه ضعف ، وقد ذكرناه قريبا في المسألة السادسة في مذاهب العلماء جابر { البيهقي ومنى كلها منحر ، فانحروا في رحالكم ، ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف . ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف } رواه نحرت هاهنا . وجمع هي مسلم المزدلفة وسنوضحه إن شاء الله تعالى . وأما حديث في لقط الحصيات فصحيح ، رواه الفضل بن عباس بإسناد حسن أو صحيح ، وهو على شرط البيهقي من رواية مسلم عن أخيه عبد الله بن عباس . ورواه الفضل بن عباس النسائي بإسنادين صحيحين ، إسناد وابن ماجه على شرط النسائي ، لكنهما روياه من رواية مسلم مطلقا ، وظاهر روايتهما أنه ابن عباس لا عبد الله بن عباس الفضل ، وكذا ذكره الحافظ في الأطراف في مسند أبو القاسم بن عساكر ، ولم يذكره في مسند عبد الله بن عباس الفضل ، والجميع صحيح كما ذكرناه فيكون وصله في رواية ابن عباس ، وأرسله في روايتي البيهقي النسائي ، وهو مرسل صحابي وهو حجة لو لم يعرف المرسل عنه ، فإذا عرف فأولى بالاحتجاج والاعتماد ، وقد عرف هنا أنه عن وابن ماجه فالحاصل أن الحديث صحيح من رواية الفضل بن عباس والله أعلم . وأما حديث الفضل بن عباس { عبد الله هو ابن مسعود } إلى آخره ، فرواه ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها البخاري . وقوله " في الصبح قبل ميقاتها " أي قبل ميقاتها المعتاد في باقي الأيام وكانت هذه الصلاة عقب طلوع الفجر . [ ص: 146 ] وأما حديث ومسلم في الوقوف جابر بالمشعر الحرام فرواه بلفظه الواقع هنا ، وهو بعض من حديث مسلم الطويل . وأما حديث جابر المسور بن مخرمة فرواه بمعناه بإسناد جيد . وأما حديث البيهقي في قصة عائشة سودة فرواه البخاري . وأما حديث ومسلم الذي بعده في جابر وادي محسر فرواه ، والله أعلم . ( وأما لغات الفصل وألفاظه ) مسلم فالمزدلفة بكسر اللام . قال الأزهري : سميت بذلك من التزلف والازدلاف ، وهو التقرب ; لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي مضوا إليها وتقربوا منها . وقيل سميت بذلك لمجيء الناس إليها في زلف من الليل أي ساعات ، وسميت المزدلفة جمعا - بفتح الجيم وإسكان الميم - سميت بذلك لاجتماع الناس بها .
واعلم أن المزدلفة كلها من الحرم . قال الأزرقي في تاريخ مكة والبندنيجي والماوردي صاحب الحاوي في كتابه الأحكام السلطانية وغيرهما من أصحابنا وغيرهم : حد المزدلفة ما بين وادي محسر ومأزمي عرفة ، وليس الحدان منها ، ويدخل في المزدلفة جميع تلك الشعاب القوابل والظواهر ، والجبال الداخلة في الحد المذكور . وأما وادي محسر فبضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر السين المهملة المشددة وبالراء ، سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه ، أي أعيا وكل عن السير ، ومنه قوله تعالى { ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير } ووادي محسر موضع فاصل بين منى ومزدلفة ، وليس من واحدة منهما . قال الأزرقي : وادي محسر خمسمائة ذراع وخمس وأربعون ذراعا . وأما منى فبكسر الميم ، ويجوز فيها الصرف وعدمه والتذكير والتأنيث ، والأجود الصرف . وجزم في أدب الكاتب بأنها [ ص: 147 ] لا تصرف ، وجزم ابن قتيبة في الصحاح بأن الجوهري منى مذكر مصروف . وقال العلماء : سميت منى لما يمنى فيها من الدماء ، أي يراق ويصب . هذا هو الصواب الذي جزم به الجمهور من أهل اللغة والتواريخ وغيرهم ونقل الأزرقي وغيره أنها سميت بذلك لأن آدم لما أراد مفارقة جبريل صلى الله عليه وسلم قال له : تمن ، قال : أتمنى الجنة . وقيل سميت بذلك من قولهم : منى الله الشيء أي قدره . فسميت منى ، لما جعل الله تعالى من الشعائر فيها . قال : قال الجوهري : يقال امتنى القوم إذا أتوا يونس منى ، وقال يقال أمنى القوم أتوا ابن الأعرابي منى . واعلم أن منى من الحرم وهي شعب ممدود بين جبلين ( أحدهما ) ثبير ( والآخر ) الصانع ، قال الأزرقي وأصحابنا في كتب المذهب : حد منى ما بين جمرة العقبة ووادي محسر ، وليست الجمرة ولا وادي محسر من منى . قال البندنيجي والأصحاب : ما أقبل على منى من الجبال فهو منها ، وما أدبر فليس منها . قال الأزرقي وغيره : ذرع ما بين جمرة العقبة ومحسر سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع ، قال الأزرقي : وعرض منى من مؤخر المسجد الذي يلي الجبال إلى الجبل بحذائه ألف ذراع وثلاثمائة ذراع ، ومن جمرة العقبة إلى الجمرة الوسطى أربعمائة ذراع وسبع وثمانون ذراعا ونصف ذراع ، ومن الجمرة الوسطى إلى الجمرة التي تلي مسجد الخيف ثلاثمائة ذراع وخمسة أذرع ، ومن الجمرة التي تلي مسجد الخيف إلى أوسط أبواب المسجد ألف ذراع وثلاثمائة ذراع وإحدى وعشرون ذراعا ، والله أعلم .
واعلم أن بين مكة ومنى مسافة فرسخ ، هو ثلاثة أميال . ومن منى [ ص: 148 ] إلى مزدلفة فرسخ ، ومن مزدلفة إلى عرفات فرسخ ، وقال إمام الحرمين والرافعي : بين مكة ومنى فرسخان ، والصواب فرسخ فقط . كذا قاله الأزرقي والمحققون في هذا الفن . والله أعلم .
وأما المشعر الحرام فبفتح الميم . هذا هو الصحيح المشهور . وبه جاء القرآن وهو المعروف في رواية الحديث . قال صاحب المطالع : ويجوز كسر الميم لكن لم يرد إلا بالفتح . وحكى الكسر . ومعنى الحرام المحرم أي الذي يحرم فيه الصيد وغيره . فإنه من الحرم . ويجوز أن يكون معناه ذا الحرمة . واختلف العلماء في الجوهري المشعر الحرام . هل هو المزدلفة كلها أم بعضها . وهو قزح خاصة . وسنوضح الخلاف فيه قريبا إن شاء الله تعالى . قال العلماء : سمي مشعرا لما فيه من الشعائر ، وهي معالم الدين وطاعة الله تعالى . قوله ( فإذا وجد فرجة ) وهي بضم الفاء وفتحها . ويقال فرج بلا هاء ثلاث لغات سبق بيانها في موقف الإمام والمأموم . وقوله " يسير العنق " بفتح النون وهو ضرب معروف من السير فيه إسراع يسير ، " والنص " بفتح النون وتشديد الصاد المهملة ، أكثر من العنق . قوله ( لأنه نسك مقصود في موضعه فكان واجبا كالرمي ) احترز عن الرمل والاضطباع فإنهما تابعان للطواف ، وكذا صلاة الطواف وتقبيل الحجر ونحوه ولكنه ينتقض بالمبيت بمنى ليلة التاسع ، وبطواف القدوم ، وبالخطب والتلبية قوله صلى الله عليه وسلم " القط لي حصى " هو بضم القاف قوله { ويصلي الصبح في أول الوقت ويقدمها أفضل تقديم } أي أكثر ما يمكنه من التقديم ، وهو أن يصليها أول طلوع الفجر ، قوله " وقف على قزح " هو بضم القاف وفتح الزاي وهو جبل معروف بالمزدلفة قوله : إن النبي صلى الله عليه وسلم ركب القصواء ، هي بفتح القاف وإسكان الصاد وبالمد ، قال أهل اللغة : يقال شاة قصواء وناقة قصواء إذا قطع من أذنها شيء لا يجاوز الربع ، فإن جاوز فهي عضباء ، قال العلماء : [ ص: 149 ] لم تكن ناقة النبي صلى الله عليه وسلم مقطوعا من أذنها شيء ، قال صاحب المطالع : قال إنما قيل لها القصواء لأنها كانت لا تكاد تسبق ، قال الدراوردي يقال شاة قصواء وناقة قصواء ، ولا يقال جمل أقصى ، وإنما يقال مقصو ومقصي ، كما يقال امرأة حسناء ، ولا يقال رجل أحسن ، وكان يقال لهذه الناقة : القصواء والقصي والجدعا قال العلماء : هي اسم لناقة واحدة وقيل : هن ثلاث والله أعلم . الجوهري
قوله " رقي على المشعر " هو بكسر القاف ، وسبق بيانه قريبا . قوله " حتى أسفر جدا " هو بكسر الجيم ، وهو منصوب بفعل محذوف أي جيد ، ومعناه إسفارا ظاهرا . قوله " امرأة ثبطة " هي بثاء مثلثة مفتوحة ثم باء موحدة ساكنة أي ثقيلة البدن جسيمة ، والله أعلم .
( أما الأحكام ) ففيها مسائل ( إحداها ) وهي مقدمة لما بعدها في بيان حديث رضي الله عنه الذي سبق الوعد به ، وهو ما رواه علي عبد الله بن أبي رافع عن رضي الله عنه قال { علي بن أبي طالب بعرفة فقال : هذه عرفة ، وهو الموقف ، وعرفة كلها موقف ، ثم أفاض حين غربت الشمس وأردف وجعل يشير بيده على هينته والناس يضربون يمينا وشمالا لا يلتفت إليهم ويقول : أيها الناس عليكم السكينة ، ثم أتى أسامة بن زيد جمعا فصلى بهم الصلاتين جميعا ، فلما أصبح أتى قزح ووقف عليه وقال : هذا قزح وهو الموقف ، وجمع كلها موقف ، ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي محسر فقرع ناقته فخبت حتى جاز الوادي فوقف وأردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها ، ثم أتى المنحر فقال هذا المنحر ومنى كلها منحر ، واستفتته جارية شابة من خثعم فقالت : إن ، قال : حجي عن أبيك ، ولوى عنق أبي شيخ كبير وقد أدركته فريضة الله في الحج أفيجزئ أن أحج عنه الفضل ، فقال : يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك ؟ قال رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما . وأتاه [ ص: 150 ] رجل فقال : يا رسول الله إني العباس . قال احلق ولا حرج . قال : وجاء آخر فقال : يا رسول الله ذبحت قبل أن أرمي ، قال ارم ولا حرج ، قال ثم أتى أفضت قبل أن أحلق أو أقصر البيت فطاف به ثم أتى زمزم فقال : يا بني عبد المطلب لولا أن يغلبكم عليه الناس لنزعته } رواه وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم الترمذي بهذا اللفظ وقال هو حديث حسن صحيح . ورواه أبو داود مختصرا وفي روايته { } . ( الثانية ) السنة للإمام إذا غربت الشمس وتحقق غروبها أن يفيض من والناس يضربون يمينا وشمالا لا يلتفت إليهم عرفات ، ويفيض الناس معه ، وأن يؤخر صلاة المغرب بنية الجمع إلى العشاء ، ويكثر كل واحد منهم من ذكر الله تعالى والتلبية لقوله تعالى { عرفات فاذكروا الله فإذا أفضتم من } { كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } .
( الثالثة ) السنة أن يسلك في ذهابه إلى المزدلفة على طريق المأزمين ، وهو بين العلمين اللذين هما حد الحرم من تلك الناحية ، والمأزم بهمزة بعد الميم وكسر الزاي هو الطريق بين الجبلين ، وقد نص في المختصر الشافعي والمصنف في التنبيه وجميع الأصحاب على أنه يسن المزدلفة على طريق المأزمين ، لا على طريق الذهاب إلى ضب . وعجب إهمال المصنف هذه المسألة هنا مع شهرتها . وذكره لها في التنبيه مع الحاجة إليها . وقد ثبت معناه في الصحيحين من رواية رضي الله عنهما . أسامة بن زيد
واعلم أن المزدلفة كلها من الحرم . قال الأزرقي في تاريخ مكة والبندنيجي والماوردي صاحب الحاوي في كتابه الأحكام السلطانية وغيرهما من أصحابنا وغيرهم : حد المزدلفة ما بين وادي محسر ومأزمي عرفة ، وليس الحدان منها ، ويدخل في المزدلفة جميع تلك الشعاب القوابل والظواهر ، والجبال الداخلة في الحد المذكور . وأما وادي محسر فبضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر السين المهملة المشددة وبالراء ، سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه ، أي أعيا وكل عن السير ، ومنه قوله تعالى { ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير } ووادي محسر موضع فاصل بين منى ومزدلفة ، وليس من واحدة منهما . قال الأزرقي : وادي محسر خمسمائة ذراع وخمس وأربعون ذراعا . وأما منى فبكسر الميم ، ويجوز فيها الصرف وعدمه والتذكير والتأنيث ، والأجود الصرف . وجزم في أدب الكاتب بأنها [ ص: 147 ] لا تصرف ، وجزم ابن قتيبة في الصحاح بأن الجوهري منى مذكر مصروف . وقال العلماء : سميت منى لما يمنى فيها من الدماء ، أي يراق ويصب . هذا هو الصواب الذي جزم به الجمهور من أهل اللغة والتواريخ وغيرهم ونقل الأزرقي وغيره أنها سميت بذلك لأن آدم لما أراد مفارقة جبريل صلى الله عليه وسلم قال له : تمن ، قال : أتمنى الجنة . وقيل سميت بذلك من قولهم : منى الله الشيء أي قدره . فسميت منى ، لما جعل الله تعالى من الشعائر فيها . قال : قال الجوهري : يقال امتنى القوم إذا أتوا يونس منى ، وقال يقال أمنى القوم أتوا ابن الأعرابي منى . واعلم أن منى من الحرم وهي شعب ممدود بين جبلين ( أحدهما ) ثبير ( والآخر ) الصانع ، قال الأزرقي وأصحابنا في كتب المذهب : حد منى ما بين جمرة العقبة ووادي محسر ، وليست الجمرة ولا وادي محسر من منى . قال البندنيجي والأصحاب : ما أقبل على منى من الجبال فهو منها ، وما أدبر فليس منها . قال الأزرقي وغيره : ذرع ما بين جمرة العقبة ومحسر سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع ، قال الأزرقي : وعرض منى من مؤخر المسجد الذي يلي الجبال إلى الجبل بحذائه ألف ذراع وثلاثمائة ذراع ، ومن جمرة العقبة إلى الجمرة الوسطى أربعمائة ذراع وسبع وثمانون ذراعا ونصف ذراع ، ومن الجمرة الوسطى إلى الجمرة التي تلي مسجد الخيف ثلاثمائة ذراع وخمسة أذرع ، ومن الجمرة التي تلي مسجد الخيف إلى أوسط أبواب المسجد ألف ذراع وثلاثمائة ذراع وإحدى وعشرون ذراعا ، والله أعلم .
واعلم أن بين مكة ومنى مسافة فرسخ ، هو ثلاثة أميال . ومن منى [ ص: 148 ] إلى مزدلفة فرسخ ، ومن مزدلفة إلى عرفات فرسخ ، وقال إمام الحرمين والرافعي : بين مكة ومنى فرسخان ، والصواب فرسخ فقط . كذا قاله الأزرقي والمحققون في هذا الفن . والله أعلم .
وأما المشعر الحرام فبفتح الميم . هذا هو الصحيح المشهور . وبه جاء القرآن وهو المعروف في رواية الحديث . قال صاحب المطالع : ويجوز كسر الميم لكن لم يرد إلا بالفتح . وحكى الكسر . ومعنى الحرام المحرم أي الذي يحرم فيه الصيد وغيره . فإنه من الحرم . ويجوز أن يكون معناه ذا الحرمة . واختلف العلماء في الجوهري المشعر الحرام . هل هو المزدلفة كلها أم بعضها . وهو قزح خاصة . وسنوضح الخلاف فيه قريبا إن شاء الله تعالى . قال العلماء : سمي مشعرا لما فيه من الشعائر ، وهي معالم الدين وطاعة الله تعالى . قوله ( فإذا وجد فرجة ) وهي بضم الفاء وفتحها . ويقال فرج بلا هاء ثلاث لغات سبق بيانها في موقف الإمام والمأموم . وقوله " يسير العنق " بفتح النون وهو ضرب معروف من السير فيه إسراع يسير ، " والنص " بفتح النون وتشديد الصاد المهملة ، أكثر من العنق . قوله ( لأنه نسك مقصود في موضعه فكان واجبا كالرمي ) احترز عن الرمل والاضطباع فإنهما تابعان للطواف ، وكذا صلاة الطواف وتقبيل الحجر ونحوه ولكنه ينتقض بالمبيت بمنى ليلة التاسع ، وبطواف القدوم ، وبالخطب والتلبية قوله صلى الله عليه وسلم " القط لي حصى " هو بضم القاف قوله { ويصلي الصبح في أول الوقت ويقدمها أفضل تقديم } أي أكثر ما يمكنه من التقديم ، وهو أن يصليها أول طلوع الفجر ، قوله " وقف على قزح " هو بضم القاف وفتح الزاي وهو جبل معروف بالمزدلفة قوله : إن النبي صلى الله عليه وسلم ركب القصواء ، هي بفتح القاف وإسكان الصاد وبالمد ، قال أهل اللغة : يقال شاة قصواء وناقة قصواء إذا قطع من أذنها شيء لا يجاوز الربع ، فإن جاوز فهي عضباء ، قال العلماء : [ ص: 149 ] لم تكن ناقة النبي صلى الله عليه وسلم مقطوعا من أذنها شيء ، قال صاحب المطالع : قال إنما قيل لها القصواء لأنها كانت لا تكاد تسبق ، قال الدراوردي يقال شاة قصواء وناقة قصواء ، ولا يقال جمل أقصى ، وإنما يقال مقصو ومقصي ، كما يقال امرأة حسناء ، ولا يقال رجل أحسن ، وكان يقال لهذه الناقة : القصواء والقصي والجدعا قال العلماء : هي اسم لناقة واحدة وقيل : هن ثلاث والله أعلم . الجوهري
قوله " رقي على المشعر " هو بكسر القاف ، وسبق بيانه قريبا . قوله " حتى أسفر جدا " هو بكسر الجيم ، وهو منصوب بفعل محذوف أي جيد ، ومعناه إسفارا ظاهرا . قوله " امرأة ثبطة " هي بثاء مثلثة مفتوحة ثم باء موحدة ساكنة أي ثقيلة البدن جسيمة ، والله أعلم .
( أما الأحكام ) ففيها مسائل ( إحداها ) وهي مقدمة لما بعدها في بيان حديث رضي الله عنه الذي سبق الوعد به ، وهو ما رواه علي عبد الله بن أبي رافع عن رضي الله عنه قال { علي بن أبي طالب بعرفة فقال : هذه عرفة ، وهو الموقف ، وعرفة كلها موقف ، ثم أفاض حين غربت الشمس وأردف وجعل يشير بيده على هينته والناس يضربون يمينا وشمالا لا يلتفت إليهم ويقول : أيها الناس عليكم السكينة ، ثم أتى أسامة بن زيد جمعا فصلى بهم الصلاتين جميعا ، فلما أصبح أتى قزح ووقف عليه وقال : هذا قزح وهو الموقف ، وجمع كلها موقف ، ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي محسر فقرع ناقته فخبت حتى جاز الوادي فوقف وأردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها ، ثم أتى المنحر فقال هذا المنحر ومنى كلها منحر ، واستفتته جارية شابة من خثعم فقالت : إن ، قال : حجي عن أبيك ، ولوى عنق أبي شيخ كبير وقد أدركته فريضة الله في الحج أفيجزئ أن أحج عنه الفضل ، فقال : يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك ؟ قال رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما . وأتاه [ ص: 150 ] رجل فقال : يا رسول الله إني العباس . قال احلق ولا حرج . قال : وجاء آخر فقال : يا رسول الله ذبحت قبل أن أرمي ، قال ارم ولا حرج ، قال ثم أتى أفضت قبل أن أحلق أو أقصر البيت فطاف به ثم أتى زمزم فقال : يا بني عبد المطلب لولا أن يغلبكم عليه الناس لنزعته } رواه وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم الترمذي بهذا اللفظ وقال هو حديث حسن صحيح . ورواه أبو داود مختصرا وفي روايته { } . ( الثانية ) السنة للإمام إذا غربت الشمس وتحقق غروبها أن يفيض من والناس يضربون يمينا وشمالا لا يلتفت إليهم عرفات ، ويفيض الناس معه ، وأن يؤخر صلاة المغرب بنية الجمع إلى العشاء ، ويكثر كل واحد منهم من ذكر الله تعالى والتلبية لقوله تعالى { عرفات فاذكروا الله فإذا أفضتم من } { كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } .
( الثالثة ) السنة أن يسلك في ذهابه إلى المزدلفة على طريق المأزمين ، وهو بين العلمين اللذين هما حد الحرم من تلك الناحية ، والمأزم بهمزة بعد الميم وكسر الزاي هو الطريق بين الجبلين ، وقد نص في المختصر الشافعي والمصنف في التنبيه وجميع الأصحاب على أنه يسن المزدلفة على طريق المأزمين ، لا على طريق الذهاب إلى ضب . وعجب إهمال المصنف هذه المسألة هنا مع شهرتها . وذكره لها في التنبيه مع الحاجة إليها . وقد ثبت معناه في الصحيحين من رواية رضي الله عنهما . أسامة بن زيد
( الخامسة ) السنة أن المزدلفة في وقت العشاء . هكذا أطلق استحباب تأخير المغرب والعشاء إلى يؤخروا صلاة المغرب ويجمعوا بينهما وبين [ ص: 151 ] العشاء في المزدلفة جمهور الأصحاب لما ذكره المصنف ، وقالت طائفة من أصحابنا : يؤخرهما إلى المزدلفة ما لم يخش فوت وقت الاختيار للعشاء ، وهو ثلث الليل في أصح القولين ونصفه في الآخر ، فإن خافه لم يؤخر بل يجمع بالناس في الطريق وممن قال بهذا التفصيل الدارمي وأبو علي البندنيجي في كتابه الجامع والقاضي في كتابيه التعليق والمجرد وصاحبا الشامل والعدة وصاحب البيان وآخرون ، ونقله أبو الطيب في تعليقه عن نص أبو الطيب ، ونقله صاحبا الشامل والبيان عن نصه في الإملاء ، ولعل إطلاق الأكثرين محمول على ما لم يخش فوت وقت الاختيار ليتفق قولهم مع نص الشافعي ، وهذه الطائفة الكثيرة الكبيرة والله تعالى أعلم . الشافعي
قال والأصحاب : الشافعي مزدلفة أن يصلوا قبل حط رحالهم وينيخ كل إنسان جمله ويعقله ثم يصلون ، لحديث السنة إذا وصلوا رضي الله عنهما { أسامة بن زيد المزدلفة توضأ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ، ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئا } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء البخاري . وفي رواية ومسلم { لمسلم المزدلفة فأقام المغرب ثم أناخ الناس في منازلهم ولم يحلوا حتى أقام العشاء الآخرة فصلى ثم حلوا } . قال أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حتى جئنا : ولو ترك الجمع بينهما وصلى كل واحدة في وقتها أو جمع بينهما في وقت المغرب أو جمع وحده لا مع الإمام أو صلى إحداهما مع الإمام والأخرى وحده جامعا بينهما ، أو صلاهما في الشافعي عرفات أو في الطريق قبل المزدلفة جاز وفاتته الفضيلة . وإن جمع في المزدلفة في وقت العشاء أقام لكل واحدة منهما ولا يؤذن للثانية . وفي الأذان للأولى الأقوال الثلاثة [ ص: 152 ] فيمن جمع في سائر الأسفار في وقت الثانية والأصح أن يؤذن ، وقد سبقت المسألة واضحة في باب الأذان .
واعلم أن هذا الجمع ثابت بالأحاديث الصحيحة وإجماع المسلمين ، وأحاديثه مشهورة في الصحيحين ، فممن روى في صحيحي البخاري { ومسلم بالمزدلفة تلك الليلة بين المغرب والعشاء } أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع عبد الله بن مسعود وأبو أيوب الأنصاري وابن عمر . ورواه وأسامة بن زيد أيضا من رواية مسلم في حديثه الطويل جابر والترمذي من رواية وهو صحيح كما سبق والله أعلم ( السادسة ) إذا وصلوا علي مزدلفة وحلوا باتوا بها ، وهذا المبيت نسك بالإجماع ، لكن هو واجب أو سنة ؟ فيه قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) واجب ( والثاني ) سنة . وحكى الرافعي فيه ثلاثة طرق ( أصحها ) قولان كما ذكرنا ( والثاني ) القطع بالإيجاب ( والثالث ) بالاستحباب ، فإن تركه أراق دما ، فإن قلنا المبيت واجب فالدم لتركه واجب وإلا فسنة ، وعلى القولين ليس بركن ، فلو تركه صح حجه . هذا هو الصحيح المشهور الذي نص عليه وقطع به جمهور الأصحاب وجماهير العلماء . الشافعي
وقال إمامان من أصحابنا : هو ركن لا يصح الحج إلا به كالوقوف بعرفات ، قاله أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ، فأما ابن بنت الشافعي فهو مشهور عنه ، حكاه عنه القاضي أبو الطيب في تعليقه ، والماوردي وغيرهما ، وحكاه الرافعي عنه وعن ، وأشار ابن خزيمة إلى ترجيحه والمذهب أنه ليس بركن ، وأنه واجب فيجب الدم بتركه ثم الصحيح المنصوص في الأم أن هذا المبيت يحصل بالحضور في ابن المنذر مزدلفة في ساعة من النصف الثاني من الليل ، وبهذا قطع جمهور العراقيين وأكثر الخراسانيين ، وفي قول ضعيف [ ص: 153 ] يحصل أيضا بساعة في النصف الثاني أو ساعة قبل طلوع الشمس حكاه أبو علي البندنيجي عن نصه في القديم والإملاء . وحكى إمام الحرمين عن نقل شيخه أبي محمد وصاحب التقريب في قولين ( أظهرهما ) معظم الليل ( والثاني ) الحضور حال طلوع الفجر . وهذا النقل غريب وضعيف ، وقطع صاحب الحاوي بأنه لو دفع من قدر الواجب من المبيت عرفات ولم يحصل بمزدلفة إلا بعد نصف الليل لزمه دم ، قال لأنه لم يحضر فيها إلا أقل الليل ، وهذا الحكم والدليل ضعيفان ، والمذهب ما سبق . واتفق أصحابنا ، ونصوص على أنه لو دفع من الشافعي مزدلفة بعد نصف الليل أجزأه ، وحصل المبيت ، ولا دم عليه بلا خلاف ، وهذا مما يرد نقل إمام الحرمين ، فإنهم لا يصلون بمزدلفة غالبا إلا قرب ربع الليل أو نحوه ، فإذا دفع عقب نصف الليل لم يكن قد حضر معظم الليل بمزدلفة وقد اتفقوا على أنه يجزئه ، قال أصحابنا : وسواء كان الدفع بعد نصف الليل لعذر أم لغيره فإنه يجزئه المبيت ، واتفقوا على أنه لو دفع قبل نصف الليل بيسير ولم يعد إلى المزدلفة ، فقد ترك المبيت ، فلو دفع قبل نصف الليل وعاد إليها قبل طلوع الفجر أجزأه المبيت ولا شيء عليه بلا خلاف ، والله أعلم .
وهذا الذي ذكرناه من من أصله إذا قلنا . المبيت واجب هو فيمن تركه بلا عذر . أما من انتهى إلى وجوب الدم بترك المبيت عرفات ليلة النحر ، واشتغل بالوقوف عن المبيت بالمزدلفة فلا شيء عليه باتفاق الأصحاب . وممن نقل الاتفاق عليه إمام الحرمين . ولو عرفات إلى مكة وطاف الإفاضة بعد نصف ليلة النحر ففاته المبيت بالمزدلفة بسبب الطواف : قال صاحب التقريب أفاض من : لا شيء عليه لأنه اشتغل بركن فأشبه المشتغل بالوقوف . وحكى والقفال إمام الحرمين هذا ثم قال : وهذا محتمل عندي لأن المنتهي إلى عرفات في الليل مضطر إلى التخلف عن المبيت ، وأما الطواف فيمكن تأخيره فإنه لا يفوت . والله أعلم . [ ص: 154 ] فرع ) مزدلفة . والعمدة في دليله أنه يصدق عليه اسم يحصل هذا المبيت بالحضور في أية بقعة كانت من مزدلفة . وأما الحديث الذي احتج به المصنف فلا دلالة فيه لما ذكره . لأنه إنما ورد في الوقوف بالمشعر الحرام بعد الصبح لا في المبيت . وقد سبق بيانه . وعجب كيف استدل به المصنف وقد سبق تحديد المزدلفة في أول الفصل .
قال والأصحاب : الشافعي مزدلفة أن يصلوا قبل حط رحالهم وينيخ كل إنسان جمله ويعقله ثم يصلون ، لحديث السنة إذا وصلوا رضي الله عنهما { أسامة بن زيد المزدلفة توضأ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ، ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئا } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء البخاري . وفي رواية ومسلم { لمسلم المزدلفة فأقام المغرب ثم أناخ الناس في منازلهم ولم يحلوا حتى أقام العشاء الآخرة فصلى ثم حلوا } . قال أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حتى جئنا : ولو ترك الجمع بينهما وصلى كل واحدة في وقتها أو جمع بينهما في وقت المغرب أو جمع وحده لا مع الإمام أو صلى إحداهما مع الإمام والأخرى وحده جامعا بينهما ، أو صلاهما في الشافعي عرفات أو في الطريق قبل المزدلفة جاز وفاتته الفضيلة . وإن جمع في المزدلفة في وقت العشاء أقام لكل واحدة منهما ولا يؤذن للثانية . وفي الأذان للأولى الأقوال الثلاثة [ ص: 152 ] فيمن جمع في سائر الأسفار في وقت الثانية والأصح أن يؤذن ، وقد سبقت المسألة واضحة في باب الأذان .
واعلم أن هذا الجمع ثابت بالأحاديث الصحيحة وإجماع المسلمين ، وأحاديثه مشهورة في الصحيحين ، فممن روى في صحيحي البخاري { ومسلم بالمزدلفة تلك الليلة بين المغرب والعشاء } أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع عبد الله بن مسعود وأبو أيوب الأنصاري وابن عمر . ورواه وأسامة بن زيد أيضا من رواية مسلم في حديثه الطويل جابر والترمذي من رواية وهو صحيح كما سبق والله أعلم ( السادسة ) إذا وصلوا علي مزدلفة وحلوا باتوا بها ، وهذا المبيت نسك بالإجماع ، لكن هو واجب أو سنة ؟ فيه قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) واجب ( والثاني ) سنة . وحكى الرافعي فيه ثلاثة طرق ( أصحها ) قولان كما ذكرنا ( والثاني ) القطع بالإيجاب ( والثالث ) بالاستحباب ، فإن تركه أراق دما ، فإن قلنا المبيت واجب فالدم لتركه واجب وإلا فسنة ، وعلى القولين ليس بركن ، فلو تركه صح حجه . هذا هو الصحيح المشهور الذي نص عليه وقطع به جمهور الأصحاب وجماهير العلماء . الشافعي
وقال إمامان من أصحابنا : هو ركن لا يصح الحج إلا به كالوقوف بعرفات ، قاله أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ، فأما ابن بنت الشافعي فهو مشهور عنه ، حكاه عنه القاضي أبو الطيب في تعليقه ، والماوردي وغيرهما ، وحكاه الرافعي عنه وعن ، وأشار ابن خزيمة إلى ترجيحه والمذهب أنه ليس بركن ، وأنه واجب فيجب الدم بتركه ثم الصحيح المنصوص في الأم أن هذا المبيت يحصل بالحضور في ابن المنذر مزدلفة في ساعة من النصف الثاني من الليل ، وبهذا قطع جمهور العراقيين وأكثر الخراسانيين ، وفي قول ضعيف [ ص: 153 ] يحصل أيضا بساعة في النصف الثاني أو ساعة قبل طلوع الشمس حكاه أبو علي البندنيجي عن نصه في القديم والإملاء . وحكى إمام الحرمين عن نقل شيخه أبي محمد وصاحب التقريب في قولين ( أظهرهما ) معظم الليل ( والثاني ) الحضور حال طلوع الفجر . وهذا النقل غريب وضعيف ، وقطع صاحب الحاوي بأنه لو دفع من قدر الواجب من المبيت عرفات ولم يحصل بمزدلفة إلا بعد نصف الليل لزمه دم ، قال لأنه لم يحضر فيها إلا أقل الليل ، وهذا الحكم والدليل ضعيفان ، والمذهب ما سبق . واتفق أصحابنا ، ونصوص على أنه لو دفع من الشافعي مزدلفة بعد نصف الليل أجزأه ، وحصل المبيت ، ولا دم عليه بلا خلاف ، وهذا مما يرد نقل إمام الحرمين ، فإنهم لا يصلون بمزدلفة غالبا إلا قرب ربع الليل أو نحوه ، فإذا دفع عقب نصف الليل لم يكن قد حضر معظم الليل بمزدلفة وقد اتفقوا على أنه يجزئه ، قال أصحابنا : وسواء كان الدفع بعد نصف الليل لعذر أم لغيره فإنه يجزئه المبيت ، واتفقوا على أنه لو دفع قبل نصف الليل بيسير ولم يعد إلى المزدلفة ، فقد ترك المبيت ، فلو دفع قبل نصف الليل وعاد إليها قبل طلوع الفجر أجزأه المبيت ولا شيء عليه بلا خلاف ، والله أعلم .
وهذا الذي ذكرناه من من أصله إذا قلنا . المبيت واجب هو فيمن تركه بلا عذر . أما من انتهى إلى وجوب الدم بترك المبيت عرفات ليلة النحر ، واشتغل بالوقوف عن المبيت بالمزدلفة فلا شيء عليه باتفاق الأصحاب . وممن نقل الاتفاق عليه إمام الحرمين . ولو عرفات إلى مكة وطاف الإفاضة بعد نصف ليلة النحر ففاته المبيت بالمزدلفة بسبب الطواف : قال صاحب التقريب أفاض من : لا شيء عليه لأنه اشتغل بركن فأشبه المشتغل بالوقوف . وحكى والقفال إمام الحرمين هذا ثم قال : وهذا محتمل عندي لأن المنتهي إلى عرفات في الليل مضطر إلى التخلف عن المبيت ، وأما الطواف فيمكن تأخيره فإنه لا يفوت . والله أعلم . [ ص: 154 ] فرع ) مزدلفة . والعمدة في دليله أنه يصدق عليه اسم يحصل هذا المبيت بالحضور في أية بقعة كانت من مزدلفة . وأما الحديث الذي احتج به المصنف فلا دلالة فيه لما ذكره . لأنه إنما ورد في الوقوف بالمشعر الحرام بعد الصبح لا في المبيت . وقد سبق بيانه . وعجب كيف استدل به المصنف وقد سبق تحديد المزدلفة في أول الفصل .
( فرع ) قال والأصحاب : الشافعي بالمزدلفة حتى يطلع الفجر للأحاديث الصحيحة المشهورة في الصحيح { ويستحب أن يبقى } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات بها حتى طلع الفجر
( السابعة ) بالمزدلفة بعد نصف الليل للوقوف بالمشعر الحرام وللعيد ، ولما فيها من الاجتماع ، فإن عجز عن الماء تيمم كما سبق وهذه الليلة ليلة عظيمة جامعة لأنواع من الفضل ( منها ) شرف الزمان والمكان ; فإن يستحب أن يغتسل المزدلفة من الحرم كما سبق ، وانضم إلى هذا جلالة أهل المجمع الحاضرين بها وهم وفد الله تعالى ومن لا يشقى بهم جليسهم ، فينبغي أن يعنى الحاضر هناك بإحيائها بالعبادة من صلاة أو تلاوة وذكر ودعاء وتضرع ، ويتأهب بعد نصف الليل للاغتسال أو الوضوء ، ويحصل حصاة الجمار وتهيئة متاعه .
( الثامنة ) قال والأصحاب : يستحب أن الشافعي المزدلفة سبع حصيات لرمي جمرة العقبة يوم النحر ، والاحتياط أن يزيد فربما سقط منها شيء ، وهل يستحب أن يأخذ مع ذلك لرمي أيام التشريق ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) يستحب وهو ظاهر نص يأخذ من في المختصر ، وبه قطع الشافعي ابن القاص في المفتاح والقاضي في تعليقه حسين والبغوي . فعلى هذا يأخذ سبعين حصاة ، سبعا لجمرة العقبة يوم النحر ، وثلاثا وستين لأيام التشريق ( والثاني ) وهو المشهور لا يأخذ إلا سبع حصيات لجمرة العقبة ، وبهذا قطع المصنف والشيخ أبو حامد والصيمري والماوردي والقاضي [ ص: 155 ] في كتابيه التعليق والمجرد أبو الطيب والمحاملي في كتبه الثلاثة المجموع والتجريد والمقنع وصاحبا الشامل والبيان والجمهور ، وهو المنصوص في الأم ، ونقله الشيخ أبو حامد وغيره عن نصه في الأم . وكذا نقله الرافعي عن الجمهور . قال : ونقلوه عن نصه . قال : وجعلوه بيانا لما أطلقه في المختصر . قال وجمع ما بين الكلامين بعضهم فقال : يستحب الأخذ للجميع ، لكن ليوم النحر أشد استحبابا هذا كلامه . وهذا الوجه القائل بالجمع بين الكلامين غريب ضعيف مخالف لنصه في الأم ولصريح كلام الأصحاب . وقد صرح الصيمري والماوردي بأنه لا يأخذ زيادة على سبع حصيات والله أعلم .
( فرع ) قال جمهور الأصحاب : المزدلفة في الليل لئلا يشتغلوا بالنهار بتحصيله . وخالفهم يأخذون الحصى من البغوي فقال : يأخذونه بعد صلاة الصبح . والمذهب الأول .
( فرع ) قال والأصحاب : يستحب أن يكون أخذ الحصى من الشافعي المزدلفة قال الماوردي قال قوم يأخذها من المأزمين والصواب الأول قال والأصحاب : ومن أي موضع أخذها أجزأه . لكن يكره من أربعة مواضع . المسجد والحل والموضع النجس ومن الجمار التي رماها هو وغيره . لأنه روي عن الشافعي موقوفا ، وعن ابن عباس موقوفا ومرفوعا ، وعن أبي سعيد الخدري مرفوعا { ابن عمر } قال أن ما تقبل منها رفع وما لم يقبل ترك . ولولا ذلك لسد ما بين الجبلين : المرفوعان ضعيفان . وكره بعض أصحابنا أخذها من جميع البيهقي منى لانتشار ما رمي فيها ولم يتقبل . قال والأصحاب : ولو رمى بكل ما كرهناه أجزأه . ولنا وجه ضعيف شاذ أنه إذا رمى حصاة ثم أخذها ورماها هو في تلك الجمرة في ذلك اليوم لا يجزئه . ووافق هذا القائل على أنه لو اختلف الشخص أو الزمان [ ص: 156 ] أو المكان أجزأه الرمي بالمرمي بلا خلاف . وهذا الوجه ضعيف جدا لأنه يسمى رميا . والله أعلم . الشافعي
( فرع ) قال جمهور الأصحاب : المزدلفة في الليل لئلا يشتغلوا بالنهار بتحصيله . وخالفهم يأخذون الحصى من البغوي فقال : يأخذونه بعد صلاة الصبح . والمذهب الأول .
( فرع ) قال والأصحاب : يستحب أن يكون أخذ الحصى من الشافعي المزدلفة قال الماوردي قال قوم يأخذها من المأزمين والصواب الأول قال والأصحاب : ومن أي موضع أخذها أجزأه . لكن يكره من أربعة مواضع . المسجد والحل والموضع النجس ومن الجمار التي رماها هو وغيره . لأنه روي عن الشافعي موقوفا ، وعن ابن عباس موقوفا ومرفوعا ، وعن أبي سعيد الخدري مرفوعا { ابن عمر } قال أن ما تقبل منها رفع وما لم يقبل ترك . ولولا ذلك لسد ما بين الجبلين : المرفوعان ضعيفان . وكره بعض أصحابنا أخذها من جميع البيهقي منى لانتشار ما رمي فيها ولم يتقبل . قال والأصحاب : ولو رمى بكل ما كرهناه أجزأه . ولنا وجه ضعيف شاذ أنه إذا رمى حصاة ثم أخذها ورماها هو في تلك الجمرة في ذلك اليوم لا يجزئه . ووافق هذا القائل على أنه لو اختلف الشخص أو الزمان [ ص: 156 ] أو المكان أجزأه الرمي بالمرمي بلا خلاف . وهذا الوجه ضعيف جدا لأنه يسمى رميا . والله أعلم . الشافعي
( فرع ) اتفق أصحابنا على أنه بل يلتقطه . ونص عليه يستحب أن لا يكسر الحصى { الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتقاط الحصيات له } وقد سبق بيان هذا الحديث . وقد ورد نهي في الكسر هاهنا . ولأنه قد يفضي إلى الأذى .
( فرع ) قال : ولا أكره الشافعي ، بل لم أزل أعمله وأحبه . هذا نصه ، قال أصحابنا : غسله مستحب حتى قال غسل حصى الجمار البغوي يستحب غسله وإن كان طاهرا .
( فرع ) قال والأصحاب : السنة الشافعي ، ويكره بأكبر منه وسنوضحه إن شاء الله تعالى حيث ذكره أن يكون الحصى صغارا بقدر حصى الخذف لا أكبر ولا أصغر المصنف في الفصل الذي بعد هذا
( فرع ) قال : ولا أكره الشافعي ، بل لم أزل أعمله وأحبه . هذا نصه ، قال أصحابنا : غسله مستحب حتى قال غسل حصى الجمار البغوي يستحب غسله وإن كان طاهرا .
( فرع ) قال والأصحاب : السنة الشافعي ، ويكره بأكبر منه وسنوضحه إن شاء الله تعالى حيث ذكره أن يكون الحصى صغارا بقدر حصى الخذف لا أكبر ولا أصغر المصنف في الفصل الذي بعد هذا
( فرع ) قال والأصحاب : الشافعي مزدلفة قبل طلوع الفجر بعد نصف الليل إلى السنة تقديم الضعفاء من النساء وغيرهن من منى ليرموا جمرة العقبة قبل زحمة الناس لحديث قالت { عائشة سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة تدفع قبله وقبل حطمة الناس ، وكانت امرأة ثبطة فأذن لها } رواه استأذنت البخاري ، وسبق بيانه . وعن ومسلم قال : { ابن عباس المزدلفة في ضعفة أهله } رواه أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة البخاري وعن ومسلم أنه كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند ابن عمر المشعر الحرام بالمزدلفة بليل ، فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع ، فمنهم من يقوم بمنى لصلاة الفجر ، ومنهم من يقدم بعد ذلك ، فإذا قدموا رموا الجمرة ، { يقول أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر } رواه وكان البخاري [ ص: 157 ] وعن ومسلم عبد الله مولى أسماء { جمع عند المزدلفة ، فقامت تصلي فصلت ساعة ثم قالت : يا بني هل غاب القمر ؟ قلت : لا ، فصلت ساعة ثم قالت يا بني هل غاب القمر ؟ قلت ، نعم . قالت : فارتحلوا ، فارتحلنا فمضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها ، فقلت لها : ما أرانا إلا قد غلسنا قالت يا بني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن } رواه أنها نزلت ليلة البخاري . وعن ومسلم { أم حبيبة جمع بليل } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بها من ، وفي المسألة أحاديث صحيحة سوى ما ذكرته والله أعلم . هذا حكم الضعفة فأما غيرهم فيمكثون مسلم بمزدلفة حتى يصلوا الصبح بها كما سبق بيانه والله أعلم .
( التاسعة ) قال والأصحاب : الشافعي ، قالوا : والمبالغة في التبكير بها في هذا اليوم آكد من باقي الأيام ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم للحديث الذي ذكره السنة إذا طلع الفجر أن يبادر الإمام والناس بصلاة الصبح في أول وقتها المصنف ، وليتسع الوقت لوظائف هذا اليوم من المناسك ، فإنها كثيرة في هذا اليوم ، فليس في أيام الحج أكثر عملا منه والله أعلم
( العاشرة ) المشعر الحرام ، وهو السنة أن يرتحلوا بعد صلاة الصبح من موضع مبيتهم متوجهين إلى قزح بضم القاف وفتح الزاي وبالحاء المهملة وبالمزدلفة ، وهو آخر المزدلفة ، وهو جبل صغير ، فإذا وصله صعده إن أمكنه وإلا وقف عنده وتحته . ويقف مستقبل الكعبة فيدعو ويحمد الله تعالى ويكبره ويهلله ويوحده ، ويكثر من التلبية .
استحب أصحابنا أن يقول : اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا . واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك ، وقولك الحق { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن [ ص: 158 ] كنتم من قبله لمن الضالين . ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } ويكثر من قوله : اللهم آتنا في الدنيا حسنة . وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . ويدعو بما أحب ويختار الدعوات الجامعة والأمور المهمة ، ويكرر دعواته ، ودليل المسألة مذكور في الكتاب . وقد استبدل الناس بالوقوف على قزح الوقوف على بناء مستحدث في وسط المزدلفة وفي حصول أصل هذه السنة بالوقوف في ذلك المستحدث وغيره من مزدلفة مما سوى قزح وجهان .
( أحدهما ) لا يحصل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قزح وقد قال صلى الله عليه وسلم { } . ( والثاني ) وهو الصحيح بل الصواب أنها تحصل ، وبه جزم القاضي لتأخذوا عني مناسككم في كتابه المجرد أبو الطيب والرافعي وغيره ، لحديث رضي الله عنه { جابر ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ، ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ، ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف } رواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نحرت ها هنا مسلم وجمع هي المزدلفة ، والمراد وقفت على قزح وجميع المزدلفة موقف . لكن أفضلها قزح كما أن عرفات كلها موقف وأفضلها موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصخرات والله أعلم . قال والأصحاب : الشافعي قزح للذكر والدعاء إلى أن يسفر الصبح إسفارا جدا ، لحديث والسنة أن يبقوا واقفين على السابق الذي ذكره جابر المصنف ثم بعد الإسفار يدفعون إلى منى . قال والأصحاب : ولو تركوا هذا الوقوف من أصله فاتهم الفضيلة ولا إثم عليهم . ولا دم كسائر الهيئات والسنن والله أعلم . قال القاضي الشافعي في تعليقه : ويكفي من أصل هذا الوقوف حسين بقزح المذكور كما قلنا في الموقف بعرفات والله أعلم .
( الحادية عشر ) إذا أسفر الفجر فالسنة أن يدفع من المشعر الحرام [ ص: 159 ] متوجها إلى منى ويكون ذلك قبل طلوع الشمس . فإن دفع بعد طلوع الشمس فهو مكروه كراهة تنزيه ، كذا جزم به المصنف وشيخه في كتابه المجرد وآخرون وقال أبو الطيب الماوردي : هو خلاف السنة ولم يقل إنه مكروه ، وكذا مقتضى عبارة آخرين والله أعلم
استحب أصحابنا أن يقول : اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا . واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك ، وقولك الحق { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن [ ص: 158 ] كنتم من قبله لمن الضالين . ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } ويكثر من قوله : اللهم آتنا في الدنيا حسنة . وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . ويدعو بما أحب ويختار الدعوات الجامعة والأمور المهمة ، ويكرر دعواته ، ودليل المسألة مذكور في الكتاب . وقد استبدل الناس بالوقوف على قزح الوقوف على بناء مستحدث في وسط المزدلفة وفي حصول أصل هذه السنة بالوقوف في ذلك المستحدث وغيره من مزدلفة مما سوى قزح وجهان .
( أحدهما ) لا يحصل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قزح وقد قال صلى الله عليه وسلم { } . ( والثاني ) وهو الصحيح بل الصواب أنها تحصل ، وبه جزم القاضي لتأخذوا عني مناسككم في كتابه المجرد أبو الطيب والرافعي وغيره ، لحديث رضي الله عنه { جابر ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ، ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ، ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف } رواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نحرت ها هنا مسلم وجمع هي المزدلفة ، والمراد وقفت على قزح وجميع المزدلفة موقف . لكن أفضلها قزح كما أن عرفات كلها موقف وأفضلها موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصخرات والله أعلم . قال والأصحاب : الشافعي قزح للذكر والدعاء إلى أن يسفر الصبح إسفارا جدا ، لحديث والسنة أن يبقوا واقفين على السابق الذي ذكره جابر المصنف ثم بعد الإسفار يدفعون إلى منى . قال والأصحاب : ولو تركوا هذا الوقوف من أصله فاتهم الفضيلة ولا إثم عليهم . ولا دم كسائر الهيئات والسنن والله أعلم . قال القاضي الشافعي في تعليقه : ويكفي من أصل هذا الوقوف حسين بقزح المذكور كما قلنا في الموقف بعرفات والله أعلم .
( الحادية عشر ) إذا أسفر الفجر فالسنة أن يدفع من المشعر الحرام [ ص: 159 ] متوجها إلى منى ويكون ذلك قبل طلوع الشمس . فإن دفع بعد طلوع الشمس فهو مكروه كراهة تنزيه ، كذا جزم به المصنف وشيخه في كتابه المجرد وآخرون وقال أبو الطيب الماوردي : هو خلاف السنة ولم يقل إنه مكروه ، وكذا مقتضى عبارة آخرين والله أعلم
وادي محسر استحب للراكب تحريك دابته قدر رمية حجر . ويستحب للماشي الإسراع قدر رمية حجر أيضا حتى يقطعا عرض الوادي وقد سبق ضبط فإذا بلغ وادي محسر وتحديده . قال أصحابنا وغيرهم : وليس وادي محسر من مزدلفة ولا من منى بل هو مسيل ما بينهما ، وهذا الذي ذكرنا من استحباب الإسراع في وادي محسر متفق عليه ، ولا خلاف فيه إلا وجها شاذا ضعيفا حكاه الرافعي أنه لا يستحب الإسراع للماشي وليس بشيء ودليل المسألة مذكور في الكتاب . قال أصحابنا : واستحب الإسراع فيه للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ولأن وادي محسر كان موقف النصارى فاستحبت مخالفتهم واستدلوا بما رواه بإسناده عن البيهقي المسور بن مخرمة أن رضي الله عنه كان يوضع ويقول : عمر بن الخطاب
وأما تقييد المصنف والأصحاب مسافة استحباب الإسراع في وادي محسر بقدر رمية حجر ، فيستدل له بما ثبت في موطأ عن مالك أن نافع " كان يحرك راحلته في ابن عمر بطن محسر قدر رمية بحجر " وقد سبق في حديث رضي الله عنه في المسألة الأولى من هذه المسائل { علي وادي محسر قرع راحلته فخبت حتى جاوز الوادي } والله أعلم . أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى
( فرع ) ثم يخرج من وادي محسر سائرا إلى منى . قال أصحابنا : ويستحب أن يسلك الطريق الوسطى التي تخرج إلى العقبة لحديث { جابر بطن محسر فحرك قليلا ، ثم سلك الطريق التي تخرج إلى الجمرة الكبرى } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى . ( فرع ) قد ذكرنا أن الإسراع في مسلم وادي محسر سنة ، وقد تظاهرت الأحاديث على ذلك ، وقد جاء في بعض الأحاديث ما يقتضي خلافها ، فمن الأحاديث المثبتة للإسراع حديث { جابر المشعر حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع من وفي رواية مسلم بإسناد على شرط للبيهقي البخاري { ومسلم وادي محسر } . وعن أن النبي صلى الله عليه وسلم أوضع في رضي الله عنه { علي قزح حتى انتهى إلى وادي محسر ، فقرع ناقته فخبت حتى جاوز الوادي } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض من الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
وعن { الفضل بن عباس المشعر الحرام حتى إذا بلغ محسرا أوضع شيئا } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع من . وعن البيهقي المسور بن مخرمة أن رضي الله عنه [ ص: 161 ] كان يوضع ، قال وكان عمر بن الخطاب يوضع أشد الإيضاع أخذه عن ابن الزبير " رواه عمر وقال : يعني الإيضاع في البيهقي وادي محسر . وروى في الموطأ عن مالك " أن نافع كان يحرك راحلته في ابن عمر بطن محسر قدر رمية بحجر " وهذا صحيح عن رواه ابن عمر أيضا عن البيهقي عائشة ثم قال : ورويناه عن ابن مسعود رضي الله عنهم . وأما الأحاديث المعارضة فمنها عن وحسين بن علي قال { ابن عباس } رواه إنما كان بدء الإيضاع من أهل البادية كانوا يقفون حافتي الناس قد علقوا القعاب والعصي ، فإذا أفاضوا يقعقعون فأنفرت بالناس ، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن ذفري ناقته ليمس حاركها وهو يقول : يا أيها الناس عليكم بالسكينة ورواه البيهقي في المستدرك وقال هو حديث صحيح على شرط الحاكم ولم يخرجاه . وعن البخاري { أسامة عرفة فأفاض بالسكينة وقال : يا أيها الناس عليكم بالسكينة ، وقال : ليس البر بإيجاف الخيل والإبل فما رأيت ناقته رافعة يدها حتى أتى منى } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه حين أفاض من وقال حديث صحيح على شرط الحاكم البخاري ، فهذان الحديثان ظاهرهما مخالفة ما سبق ، والجواب عنهما من وجهين ( أحدهما ) أنه ليس فيهما تصريح بترك الإسراع في ومسلم وادي محسر فلا يعارضان الصريح بإثبات الإسراع ( والثاني ) أنه لو صرح فيهما بترك الإسراع كانت رواية الإسراع أولى لوجهين .
( أحدهما ) أنها إثبات وهو مقدم على النفي ( والثاني ) أنها أكثر رواة وأصح أسانيد وأشهر فهي أولى ، والله أعلم .
إليك تعدو قلقا وضينها مخالفا دين النصارى دينها
قال : يعني الإيضاع في البيهقي وادي محسر ، ومعنى هذا البيت أن ناقتي تعدو إليك يا رب مسرعة في طاعتك قلقا وضينها ، وهو الحبل الذي كالحزام ، وإنما صار قلقا من كثرة السير والإقبال التام والاجتهاد البالغ في طاعتك ، والمراد صاحب الناقة . وقوله " مخالفا دين النصارى دينها " بنصب دين النصارى ورفع دينها ، أي إني لا أفعل فعل النصارى ولا أعتقد [ ص: 160 ] اعتقادهم . قال القاضي في تعليقه : يستحب للمار حسين بوادي محسر أن يقول هذا الذي قاله رضي الله عنه والله تعالى أعلم . عمروأما تقييد المصنف والأصحاب مسافة استحباب الإسراع في وادي محسر بقدر رمية حجر ، فيستدل له بما ثبت في موطأ عن مالك أن نافع " كان يحرك راحلته في ابن عمر بطن محسر قدر رمية بحجر " وقد سبق في حديث رضي الله عنه في المسألة الأولى من هذه المسائل { علي وادي محسر قرع راحلته فخبت حتى جاوز الوادي } والله أعلم . أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى
( فرع ) ثم يخرج من وادي محسر سائرا إلى منى . قال أصحابنا : ويستحب أن يسلك الطريق الوسطى التي تخرج إلى العقبة لحديث { جابر بطن محسر فحرك قليلا ، ثم سلك الطريق التي تخرج إلى الجمرة الكبرى } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى . ( فرع ) قد ذكرنا أن الإسراع في مسلم وادي محسر سنة ، وقد تظاهرت الأحاديث على ذلك ، وقد جاء في بعض الأحاديث ما يقتضي خلافها ، فمن الأحاديث المثبتة للإسراع حديث { جابر المشعر حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع من وفي رواية مسلم بإسناد على شرط للبيهقي البخاري { ومسلم وادي محسر } . وعن أن النبي صلى الله عليه وسلم أوضع في رضي الله عنه { علي قزح حتى انتهى إلى وادي محسر ، فقرع ناقته فخبت حتى جاوز الوادي } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض من الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
وعن { الفضل بن عباس المشعر الحرام حتى إذا بلغ محسرا أوضع شيئا } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع من . وعن البيهقي المسور بن مخرمة أن رضي الله عنه [ ص: 161 ] كان يوضع ، قال وكان عمر بن الخطاب يوضع أشد الإيضاع أخذه عن ابن الزبير " رواه عمر وقال : يعني الإيضاع في البيهقي وادي محسر . وروى في الموطأ عن مالك " أن نافع كان يحرك راحلته في ابن عمر بطن محسر قدر رمية بحجر " وهذا صحيح عن رواه ابن عمر أيضا عن البيهقي عائشة ثم قال : ورويناه عن ابن مسعود رضي الله عنهم . وأما الأحاديث المعارضة فمنها عن وحسين بن علي قال { ابن عباس } رواه إنما كان بدء الإيضاع من أهل البادية كانوا يقفون حافتي الناس قد علقوا القعاب والعصي ، فإذا أفاضوا يقعقعون فأنفرت بالناس ، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن ذفري ناقته ليمس حاركها وهو يقول : يا أيها الناس عليكم بالسكينة ورواه البيهقي في المستدرك وقال هو حديث صحيح على شرط الحاكم ولم يخرجاه . وعن البخاري { أسامة عرفة فأفاض بالسكينة وقال : يا أيها الناس عليكم بالسكينة ، وقال : ليس البر بإيجاف الخيل والإبل فما رأيت ناقته رافعة يدها حتى أتى منى } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه حين أفاض من وقال حديث صحيح على شرط الحاكم البخاري ، فهذان الحديثان ظاهرهما مخالفة ما سبق ، والجواب عنهما من وجهين ( أحدهما ) أنه ليس فيهما تصريح بترك الإسراع في ومسلم وادي محسر فلا يعارضان الصريح بإثبات الإسراع ( والثاني ) أنه لو صرح فيهما بترك الإسراع كانت رواية الإسراع أولى لوجهين .
( أحدهما ) أنها إثبات وهو مقدم على النفي ( والثاني ) أنها أكثر رواة وأصح أسانيد وأشهر فهي أولى ، والله أعلم .
[ ص: 162 ] فرع ) في بالمزدلفة أجمع العلماء على جواز الجمع بينهما مذاهب العلماء في الجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء للمسافر ، فلو جمع بينهما في وقت المغرب أو في غير المزدلفة جاز . هذا مذهبنا وبه قال عطاء وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وسعيد بن جبير ومالك وأحمد وإسحاق وأبو يوسف وأبو ثور وقال وابن المنذر سفيان الثوري وأبو حنيفة ومحمد وبعض أصحاب وداود : لا يجوز أن يصليهما قبل مالك المزدلفة ولا قبل وقت العشاء ، والخلاف مبني على أن جمعهم بالنسك أم بالسفر ؟ فعندنا بالسفر ، وعند بالنسك . أبي حنيفة
( فرع ) في مذاهبهم في المزدلفة قد ذكرنا أن الأصح في مذهبنا أنه يؤذن للأولى ويقيم لكل واحدة ، وبه قال الأذان إذا جمع بين المغرب والعشاء في في رواية ، أحمد وأبو ثور وعبد الملك بن الماجشون المالكي الحنفي وقال والطحاوي : يصليهما بأذانين وإقامتين ، وهو مذهب مالك . قال ابن مسعود وروي هذا عن ابن المنذر ، وقال عمر وابنه عبد الله بن عمر سالم والقاسم بن محمد وإسحاق في رواية يصليهما بإقامتين وقال وأحمد في رواية صحيحة عنه ابن عمر : يصليهما بإقامة واحدة ، والله أعلم . وسفيان الثوري
دليلنا حديث { جابر } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما بأذان وإقامتين ، وسبقت المسألة بأدلتها مستوفاة في باب الأذان . مسلم
( فرع ) في مذاهبهم في المزدلفة قد ذكرنا أن الأصح في مذهبنا أنه يؤذن للأولى ويقيم لكل واحدة ، وبه قال الأذان إذا جمع بين المغرب والعشاء في في رواية ، أحمد وأبو ثور وعبد الملك بن الماجشون المالكي الحنفي وقال والطحاوي : يصليهما بأذانين وإقامتين ، وهو مذهب مالك . قال ابن مسعود وروي هذا عن ابن المنذر ، وقال عمر وابنه عبد الله بن عمر سالم والقاسم بن محمد وإسحاق في رواية يصليهما بإقامتين وقال وأحمد في رواية صحيحة عنه ابن عمر : يصليهما بإقامة واحدة ، والله أعلم . وسفيان الثوري
دليلنا حديث { جابر } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما بأذان وإقامتين ، وسبقت المسألة بأدلتها مستوفاة في باب الأذان . مسلم
( فرع ) في مذاهبهم في بمزدلفة ليلة النحر . قد ذكرنا أن المشهور من مذهبنا أنه ليس بركن ، فلو تركه صح . [ ص: 163 ] حجه . قال القاضي المبيت وأصحابنا : وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف ، وقال خمسة من أئمة التابعين : هو ركن لا يصح الحج إلا به كالوقوف أبو الطيب بعرفات ، هذا قول علقمة والأسود والشعبي والنخعي ، وبه قال من أصحابنا والحسن البصري ابن بنت الشافعي وأبو بكر بن خزيمة . واحتج لهم بقوله تعالى { فاذكروا الله عند المشعر الحرام } وبالحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { من فاته المبيت بالمزدلفة فقد فاته الحج } .
واحتج أصحابنا بحديث عروة بن مضرس السابق في فضل الوقوف بعرفات وهو حديث صحيح كما سبق ، وأجابوا عن الآية بأن المأمور به فيها إنما هو الذكر وليس هو بركن بالإجماع . وأما الحديث فالجواب عنه من وجهين ( أحدهما ) أنه ليس بثابت ولا معروف ( والثاني ) أنه لو صح لحمل على فوات كمال الحج لا فوات أصله .
واحتج أصحابنا بحديث عروة بن مضرس السابق في فضل الوقوف بعرفات وهو حديث صحيح كما سبق ، وأجابوا عن الآية بأن المأمور به فيها إنما هو الذكر وليس هو بركن بالإجماع . وأما الحديث فالجواب عنه من وجهين ( أحدهما ) أنه ليس بثابت ولا معروف ( والثاني ) أنه لو صح لحمل على فوات كمال الحج لا فوات أصله .
( فرع ) قد ذكرنا أن السنة عندنا بمزدلفة حتى يطلع الفجر إلا الضعفة ، فيستحب لهم الدفع قبل الفجر ، فإن دفع غير الضعفة قبل الفجر بعد نصف الليل جاز ولا دم . هذا مذهبنا وبه قال أن يبقى مالك . وقال وأحمد : لا يجوز الدفع قبل طلوع الفجر فإن دفع قبل الفجر لزمه دم واحتج أصحابنا عليه بالأحاديث الصحيحة السابقة في دفع النساء والضعفة ( فإن قيل ) إنما أرخص في الدفع قبل الفجر للضعفة ( قلنا ) لو كان حراما لما اختلف بالضعفة وغيرهم أبو حنيفة
( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يستحب قزح ولا يزال واقفا به يدعو ويذكر حتى يسفر الصبح جدا ، وبه قال أن يقف بعد صلاة الصبح على ابن مسعود وابن عمر وجماهير العلماء . قال وأبو حنيفة : وهو قول عامة العلماء غير ابن المنذر ، فإنه كان يرى أن يدفع منه قبل الإسفار . دليلنا حديث مالك السابق الذي ذكره جابر المصنف ، وهو صحيح .
[ ص: 164 ] فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا استحباب الإسراع في وادي محسر ، وذكرنا الأحاديث الصحيحة فيه ، وقد نقله عن ابن المنذر ابن مسعود وابن عمر وابن عباس ، قال : وتبعهم عليه أهل العلم ، وقد قدمنا عن وابن الزبير خلاف هذا ، والله أعلم . ابن عباس
[ ص: 164 ] فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا استحباب الإسراع في وادي محسر ، وذكرنا الأحاديث الصحيحة فيه ، وقد نقله عن ابن المنذر ابن مسعود وابن عمر وابن عباس ، قال : وتبعهم عليه أهل العلم ، وقد قدمنا عن وابن الزبير خلاف هذا ، والله أعلم . ابن عباس