الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 403 ] وإذا استولى الكفار على أموالنا وأحرزوها بدارهم ملكوها ، فإن ظهرنا عليهم فمن وجد ملكه قبل القسمة أخذه بغير شيء ، وبعدها بالقيمة إن شاء ، وإن دخل تاجر واشتراه فمالكه إن شاء أخذه بثمنه ، وإن شاء ترك ، وإن وهب له أخذه بالقيمة . وإن غلب بعض أهل الحرب بعضا وأخذوا أموالهم ملكوها ، ولا يملكون علينا مكاتبينا ومدبرينا وأمهات أولادنا وأحرارنا ، وإن أبق إليهم عبد لم يملكوه ( سم ) ، وإذا خرج عبيدهم إلينا مسلمين فهم أحرار ، وكذلك إن ظهرنا عليهم وقد أسلموا وإذا اشترى المستأمن عبدا مسلما وأدخله دار الحرب عتق عليه ( سم ) ; وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان لا يتعرض لشيء من دمائهم وأموالهم ، فإن أخذ شيئا وأخرجه تصدق به .

التالي السابق


فصل

[ ملك أهل الحرب ]

( وإذا استولى الكفار على أموالنا وأحرزوها بدارهم ملكوها ، فإن ظهرنا عليهم فمن وجد ملكه قبل القسمة أخذه بغير شيء وبعدها بالقيمة إن شاء ، وإن دخل تاجر واشتراه فمالكه إن شاء أخذه بثمنه ، وإن شاء ترك وإن وهب له أخذه بالقيمة ) لما روى ابن عباس أن رجلا وجد بعيرا له في المغنم قد كان المشركون أصابوه قبل ذلك ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن وجدته قبل القسمة فهو لك بغير شيء ، وإن وجدته بعد ما قسم أخذته بالقيمة إن شئت " ولو لم يملكوه لما أوجب القيمة . وعن تميم بن طرفة أن العدو غلب على ناقة أو بعير لرجل ، فاشتراه رجل من العدو ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " خذه بالثمن إن شئت وإلا فهو لهم " وهذا يدل على صحة ملك أهل الحرب إذ لولا ذلك لم يلزمه الثمن .

وعن عمر وابنه وزيد بن ثابت وأبي عبيدة ابن الجراح رضي الله عنهم مثل مذهبنا .

وعن علي رضي الله عنه أنه قال : من اشترى ما أحرزه العدو فهو جائز ، ولأنه يجب على [ ص: 404 ] جميع المسلمين حق الرد عليه ، لأنه يجب عليهم استنقاذه من أيدي الكفار قلعا لهم عن العود إلى مثله وقبل القسمة قد حصل لهم بغير عوض والرد مستحق عليهم فلزمهم الدفع إليه .

أما بعد القسمة فقد حصل له بعوض وهو نصيبه من الغنيمة الذي سلم لسائر الغانمين ولم يستحق عليه بذل المال في الرد ، فلذلك وجب أن يغرم له العوض الذي ليس بمستحق ، وكذلك المشتري منهم حصل له بعوض ليس بمستحق عليه فلذلك رجع بالثمن .

وأما الموهوب له فلأنه ملكه بعقد فصار كالبيع ، وليس فيه عوض مسمى فيأخذه بالقيمة كما بعد القسمة ، فإن أسلموا عليها أو صاروا ذمة أو اشتراه حربي فأسلم أو دخل إلينا بأمان فهو لهم ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " من أسلم على مال فهو له " ، وإن أسلموا قبل الإحراز بدارهم ردوه على المالك الأول لعدم ثبوت ملكهم لبقاء العصمة .

وأما النقود والمكيل والموزون إن وجده قبل القسمة أخذه بغير شيء كما قلنا ، وبعد القسمة لا سبيل له عليها ، لأنه لو أخذها أخذها بمثلها ولا فائدة فيه .

قال : ( وإن غلب بعض أهل الحرب بعضا وأخذوا أموالهم ملكوها ) لاستيلائهم على مال مباح ، فإذا ظهرنا عليها فأخذناها ملكناها كسائر أموالهم .

قال : ( ولا يملكون علينا مكاتبينا ومدبرينا وأمهات أولادنا وأحرارنا ) لأن الأصل في الآدمي الحرية ، والحرية مقتضى قوله تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم ) إلا أن الشرع جعله محلا للتمليك جزاء عن استنكافه عن طاعة الله تعالى ، وذلك في حق الكافر دون المسلم ، لأن الملك في الرقاب بناء على الرق ولا رق علينا ، وفي المال بناء على المالية والكل فيه سواء .

قال : ( وإن أبق إليهم عبد لم يملكوه ) عند أبي حنيفة . وقالا : يملكونه كما إذا أخذوه من دارنا أو في الوقعة . وله أنه لما خرج من دارنا زالت يد المولى عنه وظهرت يده على نفسه ، لأن سقوط يده باعتبار يد المولى ليتمكن من الانتفاع به فصار معصوما بنفسه فلم يبق محلا للملك [ ص: 405 ] فلا يثبت لهم فيه ملك ، وبعد ذلك إن ظهرنا عليهم أخذه المالك القديم قبل القسمة وبعدها ، ويؤدي عوضه من بيت المال لتعذر إعادة القسمة بعد تفريق الغانمين ، ولا جعل على المالك لأن الغانم إنما عمل لنفسه لأنه يزعمه ملكه ، وكذلك إن كان مشترى أو موهوبا يأخذه بغير شيء لأنه لم يملكه فلم يصح تصرفه فيه .

قال : ( وإذا خرج عبيدهم إلينا مسلمين فهم أحرار ، وكذلك إن ظهرنا عليهم وقد أسلموا ) لأنه عليه الصلاة والسلام قضى بعتق عبيد خرجوا من الطائف وقد أسلموا وقال : " هم عتقاء الله " ولأنه أحرز نفسه بالتحاقه بمنعة المسلمين ويده أسبق من يد المسلمين فكانت أولى .

قال : ( وإذا اشترى المستأمن عبدا مسلما وأدخله دار الحرب عتق عليه ) وقالا : لا يعتق لأنه يجب عليه إزالته عن ملكه بأن يجبر على ذلك ولا جبر فبقي على حاله . ولأبي حنيفة أن خلاص المسلم عن رق الكافر واجب ما أمكن ، وقد تعذر جبره على ذلك ، فأقمنا تباين الدارين مقام الإعتاق ، كما إذا أسلم أحد الزوجين في دار الحرب أقمنا مضي ثلاث حيض مقام التفريق .

قال : ( وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان لا يتعرض لشيء من دمائهم وأموالهم ) لأن فيه غدرا بهم وأنه منهي عنه ( فإن أخذ شيئا وأخرجه تصدق به ) لأنه ملكه بأمر محظور وهو الغدر والخيانة وسبيله التصدق به لأنه ملك خبيث ، بخلاف الأسير لأنه غير مستأمن ، ولم يلتزم ترك التعرض لهم فيباح له التعرض وإن أطلقوه .

ولو دخل مسلم دار الحرب فأدانه حربي أو أدان حربيا أو غصب أحدهما صاحبه ثم خرج المسلم أو استأمن الحربي لم يقض بينهما بشيء من ذلك . أما الغصب فلأنه صار ملكا للذي أخذه لاستيلائه على مال مباح . وأما المداينة فلأنه لا ولاية لنا عليهما وقت الإدانة والقضاء [ ص: 406 ] يعتمد الولاية ، ولا على المستأمن وقت القضاء لأنه ما التزم أحكامنا في الماضي ، وكذلك الحربيان إذا فعلا ذلك ثم خرجا مستأمنين لما بينا ، ولو خرجا مسلمين قضي بينهما بالديون دون الغصب لما مر; أما الغصب لما مر ، وأما الدين فلوقوعه صحيحا عن تراض ، والولاية ثابتة لالتزامهما أحكامنا وقتئذ .




الخدمات العلمية