الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب ما جاء في أكل معاقرة الأعراب

                                                                      2820 حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا حماد بن مسعدة عن عوف عن أبي ريحانة عن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب قال أبو داود اسم أبي ريحانة عبد الله بن مطر وغندر أوقفه على ابن عباس [ ص: 13 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 13 ] ( عن معاقرة الأعراب ) : قال في النهاية : هو عقرهم الإبل كان يتبارى الرجلان في الجود والسخاء فيعقر هذا إبلا وهذا إبلا حتى يعجز أحدهما الآخر وكانوا يفعلونه رياء وسمعة وتفاخرا ولا يقصدون وجه الله . فشبه بما ذبح لغير الله . انتهى .

                                                                      ومثله في معالم السنن للخطابي . وفيه أيضا وفي معناه ما جرت به عادة الناس من ذبح الحيوان بحضرة الملوك والرؤساء عند قدومهم البلدان ، وأوان حدوث نعمة تتجدد لهم في نحو ذلك من الأمور . انتهى . وقال الدميري في حياة الحيوان : روى أبو داود بإسناد حسن أن النبي نهى عن معاقرة الأعراب وهي مفاخرتهم ، فإنهم كانوا يتفاخرون بأن يعقر كل واحد منهم عددا من إبله ، فأيهما كان عقره أكثر كان غالبا فكره النبي لحمها لئلا يكون مما أهل به لغير الله . . انتهى .

                                                                      وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصراط المستقيم : وأما القربان فيذبح لله سبحانه ، ولهذا قال النبي في قربانه اللهم منك ولك بعد قوله بسم الله والله أكبر اتباعا لقوله تعالى إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين والكافرون يصنعون بآلهتهم كذلك ، فتارة يسمون آلهتهم على الذبائح ، وتارة يذبحونها قربانا إليهم ، وتارة يجمعون بينهما ، وكل ذلك والله أعلم يدخل فيما أهل لغير الله به ، فإن من سمى غير الله فقد أهل به لغير الله فقوله باسم كذا استعانة به ، وقوله لكذا عبادة له ، ولهذا جمع الله بينهما في قوله إياك نعبد وإياك نستعين وأيضا فإنه سبحانه حرم ما ذبح على النصب ، وهي كل ما ينصب ليعبد من دون الله . ثم قال ابن تيمية رحمه الله بعد ذلك : ويدل على ذلك أيضا ما رواه أبو داود عن ابن عباس قال نهى رسول الله عن معاقرة الأعراب وروى أبو بكر بن أبي شيبة في تفسيره حدثنا وكيع عن أصحابه عن عوف الأعرابي عن أبي ريحانة قال سئل ابن عباس عن معاقرة الأعراب فقال إني أخاف أن تكون مما أهل لغير الله به وروى [ ص: 14 ] أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن دحيم في تفسيره حدثنا أبي حدثنا سعيد بن منصور عن ربعي عن عبد الله بن الجارود قال سمعت الجارود هو ابن أبي سبرة قال " كان من بني رباح رجل يقال له ابن وئيل شاعرا نافرا بالفرزدق الشاعر بماء بظهر الكوفة على أن يعقر هذا مائة من إبله وهذا مائة من إبله إذا وردت الماء ، فلما وردت الإبل الماء قاما إليها بأسيافهما فجعلا يكشفان عراقيها فخرج الناس على الحمير والبغال يريدون اللحم وعلي رضي الله عنه بالكوفة فخرج على بغلة رسول الله البيضاء وهو ينادي : يا أيها الناس لا تأكلوا من لحومها فإنها أهل بها لغير الله .

                                                                      قال ابن تيمية فهؤلاء الصحابة قد فسروا ما قصد بذبحه غير الله داخلا فيما أهل به لغير الله ، فعلمت أن الآية لم يقتصر بها على اللفظ باسم غير الله ، بل ما قصد به التقرب إلى غير الله فهو كذلك وقد أطال الكلام فيه في الصراط المستقيم فليرجع إليه . كذا في غاية المقصود ( أوقفه على ابن عباس ) أي رواه غندر موقوفا على ابن عباس والحديث سكت عنه المنذري .




                                                                      الخدمات العلمية