الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار

                                                                                                                                                                                                                                      ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان حكاية لدعاء آخر لهم مبني على تأملهم في الدليل السمعي بعد حكاية دعائهم السابق المبني على التفكر في الأدلة العقلية وتصدير مقدمة الدعاء بالنداء لإظهار كمال الضراعة والابتهال [ ص: 132 ] والتأكيد للإيذان بصدور المقال عنهم بوفور الرغبة وكمال النشاط، والمراد بالنداء الدعاء وتعديتهما بإلى لتضمنهما معنى الإنهاء وباللام لاشتمالهما على معنى الاختصاص، والمراد بالمنادي: الرسول صلى الله عليه وسلم، وتنوينه للتفخيم وإيثاره على الداعي للدلالة على كمال اعتنائه بشأن الدعوة وتبليغها إلى الداني والقاصي لما فيه من الإيذان برفع الصوت، و"ينادي" صفة ل "مناديا" عند الجمهور كما في قولك: "سمعت رجلا يقول كيت وكيت" ولو كان معرفة لكان حالا منه كما إذا قلت: "سمعت زيدا يقول إلخ" ومفعول ثان لـ"سمعنا" عند الفارسي وأتباعه، وهذا أسلوب بديع يصار إليه للمبالغة في تحقيق السماع والإيذان بوقوعه بلا واسطة عند صدور المسموع عن المتكلم وللتوسل إلى تفصيله واستحضار صورته، وقد اختص النظم الكريم بمزية زائدة على ذلك حيث عبر عن المسموع منه بالمنادي ثم وصف بالنداء للإيمان على طريقة قولك: "سمعت متكلما يتكلم بالحكمة" لما أن التفسير بعد الإبهام والتقييد بعد الإطلاق أوقع عند النفس وأجدر بالقبول، وقيل: المنادي: القرآن العظيم. أن آمنوا أي: آمنوا على أن "أن" تفسيرية أو بـ"أن آمنوا" على أنها مصدرية. بربكم بمالككم ومتولي أموركم ومبلغكم إلى الكمال، وفي إطلاق الإيمان ثم تقييده تفخيم لشأنه. فآمنا أي: فامتثلنا بأمره وأجبنا نداءه. ربنا تكرير للتضرع وإظهار لكمال الخضوع وعرض للاعتراف بربوبيته مع الإيمان به، والفاء في قوله تعالى: فاغفر لنا لترتيب المغفرة أو الدعاء بها على الإيمان به تعالى والإقرار بربوبيته، فإن ذلك من دواعي المغفرة والدعاء بها . ذنوبنا أي: كبائرها فإن الإيمان يجب ما قبله. وكفر عنا سيئاتنا أي: صغائرنا، فإنها مكفرة عن مجتنب الكبائر. وتوفنا مع الأبرار أي: مخصوصين بصحبتهم مغتنمين لجوارهم معدودين من زمرتهم، وفيه إشعار بأنهم كانوا يحبون لقاء الله ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، و"الأبرار" جمع بار أو بر كأصحاب وأرباب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية