الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
172 [ ص: 145 ] حديث أول لابن شهاب ، عن محمد بن جبير مسند

مالك ، عن ابن شهاب ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في المغرب بـ " والطور .

التالي السابق


هكذا رواه مالك وجماعة أصحاب ابن شهاب عنه ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، ورواه محمد بن عمرو ، ابن شهاب ، عن نافع بن جبير والصواب فيه محمد بن جبير .

وفي هذا الحديث دليل على أن في وقت المغرب سعة ، وأنه ليس يضيق ، وقد مضى القول في وقت المغرب في باب ابن شهاب عن عروة مستوعبا وفي سائر أوقات الصلاة والحمد لله .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ في المغرب " المص " من حديث عروة عن ابن الزبير ، عن مروان بن الحكم ، عن زيد بن ثابت . وقد روى هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة مثل ذلك ، والإسناد الأول أصح وفي ذلك دليل على سعة وقت المغرب كما ذكرنا .

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ بـ " الصافات " في المغرب ، وأنه قرأ فيها بـ " حم الدخان " وأنه قرأ فيها بـ " سبح اسم ربك الأعلى " وأنه قرأ فيها بـ " والتين والزيتون " وأنه قرأ فيها بـ " المعوذتين " [ ص: 146 ] وأنه قرأ فيها بـ " المرسلات " وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل ، وهي آثار صحاح مشهورة ، لم أر لذكرها وجها خشية الإطالة ، وفي ذلك كله دليل على أن لا توقيت في القراءة في صلاة المغرب ، وكذلك غيرها بدلائل يطول ذكرها ، وأهل العلم يستحبون فيها قراءة السور القصار ، ولعل ذلك أن يكون آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو يكون إباحة وتخييرا منه - صلى الله عليه وسلم - فيكون دليل العلماء على استحباب ما استحبوا من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : من أم الناس فليقصر وليخفف ، والحمد لله الذي جعل في ديننا سعة ويسرا وتخفيفا ، لا شريك له .

وفي هذا الحديث شيء سقط من رواية مالك في الموطأ ، لم يذكره أحد من رواته عنه فيه ، وذكره غيره من رواة ابن شهاب ، وهو معنى بديع حسن من الفقه ، وذلك أن جبير بن مطعم سمع هذا الحديث من النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو كافر ، وحدث به عنه وهو مسلم ، وقد مضى القول في هذا المعنى فيما سلف من كتابنا هذا ، وقد روى هذه القصة فيه عن مالك ، علي بن الربيع بن الركين ، وإبراهيم بن علي التميمي المقرئي جميعا عن مالك ، عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في فداء أسارى بدر فسمعته يقرأ في المغرب بـ " الطور " ولم أسلم يومئذ فكأنما صدع [ ص: 147 ] قلبي . وقال : لو كان مطعم حيا وكلمني في هؤلاء النفر لأعتقتهم . هذا لفظ علي بن الربيع ، وقال إبراهيم : وكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له . ولم يتابع هذان على سياقة هذا الحديث بهذا اللفظ ، عن مالك . وقد رواه كذلك عن ابن شهاب جماعة من أصحابه ، وممن روى ذكر ذلك ، عن ابن شهاب ، عن محمد بن جبير ، أسامة بن زيد الليثي وغيره .

وروى ابن وهب ، عن ابن شهاب ، عن أسامة بن زيد ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، أنه جاء في فداء أسارى أهل بدر ، قال : فوافقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة المغرب بـ " الطور وكتاب مسطور " فأخذني من قراءته كالكرب ، فكان ذلك أول ما سمعته من أمر الإسلام ، وأسلم جبير بن مطعم عام الفتح ، ويقال : عام خيبر .

وقد ذكرنا من خبره في كتابنا في الصحابة ، ما فيه كفاية . وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا حامد بن يحيى البلخي ، قال : حدثنا [ ص: 148 ] سفيان بن عيينة ، قال : سمعت الزهري يحدث عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطور .

قال : سفيان فسمعته يقول : أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ، قال : فكاد يطير قلبي . وحدثني سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان ، قال : سمعت الزهري يحدث عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطور ، قال سفيان : فقالوا في هذا الحديث : إن جبيرا قال : سمعتها من النبي - عليه السلام - وأنا مشرك ، فكاد قلبي يطير حين قرأ أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ولم يقله لنا الزهري .

وحدثنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن ، قال : حدثنا محمد بن يوسف ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا سفيان قال : حدثني عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : سمعت النبي عليه السلام يقرأ في المغرب والطور فلما بلغ هذه الآية أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون كاد قلبي يطير .

قال سفيان : فأما أنا ، فإني سمعت الزهري يحدث عن محمد بن جبير ، عن أبيه ، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بـ [ ص: 149 ] " والطور " ولم أسمعه زاد الذي قالوا لي ، ورواه يزيد بن أبي حبيب ، عن ابن شهاب ، فجعل في موضع المغرب العتمة ، إلا أنه من رواية ابن لهيعة .

وجدت في أصل سماع أبي بخطه - رحمه الله - أن محمد بن أحمد بن قاسم ، حدثهم قال : حدثنا سعيد بن عثمان ، قال : حدثنا نصر بن مرزوق ، حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، قال : حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، أن ابن شهاب كتب إليه قال : حدثني محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - في فداء أسارى بدر ، فسمعته يقرأ في العتمة بـ " والطور " ورواه سفيان بن حسين ، عن الزهري على الشك في العتمة أو المغرب .

حدثنا خلف بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا علي بن عبد العزيز وأجازه لنا أبو محمد بن أسد ، عن ابن جامع ، عن علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو عبيد ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا سفيان بن حسين ، عن الزهري ، قال هشيم : ولا أظنني إلا وقد سمعته من الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، جبير بن مطعم ، قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأكلمه في أسارى بدر ، فوافقته وهو يصلي المغرب أو العتمة فسمعته وهو يقول ويقرأ وقد خرج صوته من المسجد إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع ، قال : فكأنما صدع قلبي ، فلما فرغ من صلاته كلمته في أسارى [ ص: 150 ] بدر ، فقال : شيخك - أو : الشيخ - لو كان أتانا فيهم شفعناه . يعني أباه المطعم بن عدي .

قال أبو عبيد : قال هشيم وغيره : وكانت له عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد .

قال أبو عمر :

كانت يد المطعم بن عدي عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيامه في شأن الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم وبني المطلب ، وهو أيضا أجار النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم من الطائف من دعاء ثقيف ، أجاره هو ومن كان معه يومئذ ، وخبره بكماله في المغازي والسير .




الخدمات العلمية