الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 440 ] 55 - باب

                                435 ، 425 436 - حدثنا أبو اليمان: أبنا شعيب، عن الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، أن عائشة، وعبد الله بن عباس قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال - وهو كذلك -: " لعنة الله على اليهود والنصارى ; اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " - يحذر ما صنعوا.

                                426 437 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قاتل الله اليهود ; اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .

                                التالي السابق


                                وقد خرج البخاري في موضع آخر من " كتابه " من حديث عروة ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي لم يقم منه: " لعن الله اليهود والنصارى ; اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكنه خشي - أو خشي - أن يتخذ مسجدا.

                                وخرج الإمام أحمد من حديث سهيل ، عن أبيه، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".

                                وروى مالك في " الموطأ " عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على [ ص: 441 ] قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".

                                ورواه محمد بن سليمان بن أبي داود الحراني : حدثنا عمر بن محمد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                خرجه من طريقه البزار .

                                وعمر هذا، هو: ابن صهبان ، جاء منسوبا في بعض نسخ " مسند البزار "، وظن ابن عبد البر أنه: عمر بن محمد العمري ، والظاهر أنه وهم.

                                وقد روي نحوه من حديث أبي سلمة ، عن أبي هريرة بإسناد فيه نظر.

                                قال ابن عبد البر : الوثن الصنم. يقول: لا تجعل قبري صنما يصلى إليه، ويسجد نحوه، ويعبد، فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبلهم الذين صلوا في قبور أنبيائهم، واتخذوها قبلة ومسجدا، كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ويعظمونها، وذلك الشرك الأكبر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه، وأنه مما لا يرضاه ; خشية عليهم من امتثال طرقهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار ، وكان يخاف على أمته اتباعهم، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم على جهة التعيير والتوبيخ: " لتتبعن سنن الذين كانوا قبلكم حذو النعل بالنعل، حتى إن أحدهم لو دخل حجر ضب لدخلتموه ". انتهى.

                                [ ص: 442 ] ويؤيد ما ذكره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحذر من ذلك في مرض موته، كما في حديث عائشة وابن عباس ، وسبق حديث جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل موته بخمس.

                                وفي " مسند الإمام أحمد " من حديث أبي عبيدة بن الجراح قال: آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب ، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".

                                وقد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قال ذلك في مرض موته من حديث علي ، وأسامة بن زيد ، وكعب بن مالك وغيرهم.

                                وخرج الإمام أحمد حديث أسامة بن زيد ، ولفظه: قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أدخل علي أصحابي ". فدخلوا عليه، فكشف القناع، ثم قال: " لعن الله اليهود والنصارى ; اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".

                                وخرج حديث عائشة من رواية ابن إسحاق ، عن صالح بن كيسان ، عن الزهري ، وقال في آخر حديثه: " يحرم ذلك على أمته ".

                                وقد اتفق أئمة الإسلام على هذا المعنى:

                                قال الشافعي - رحمه الله -: وأكره أن يعظم مخلوق حتى يتخذ قبره مسجدا ؛ خشية الفتنة عليه وعلى من بعده.

                                وقال صاحب " التنبيه " من أصحابه: أما الصلاة عند رأس قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم متوجها إليه فحرام .

                                [ ص: 443 ] قال القرطبي : بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأعلوا حيطان تربته، وسدوا الداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره صلى الله عليه وسلم، ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة؛ إذ كان مستقبل المصلين فتتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلث من ناحية الشمال، حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره. ولهذا المعنى قالت عائشة : ولولا ذلك لأبرز قبره.



                                الخدمات العلمية