الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 212 ] وقال الشيخ الإمام العالم العلامة أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية قدس الله روحه . فصل في " إبدال الوقف " حتى المساجد بمثلها أو خير منها للحاجة أو المصلحة وكذلك إبدال الهدي والأضحية ; والمنذور وكذلك إبدال المستحق بنظيره إذا تعذر صرفه إلى المستحق . والإبدال يكون تارة بأن يعوض فيها بالبدل . وتارة بأن يباع ويشترى بثمنها المبدل . فمذهب أحمد في غير المسجد يجوز بيعه للحاجة . وأما المسجد فيجوز بيعه أيضا للحاجة : في أشهر الروايتين عنه وفي الأخرى لا تباع عرصته بل تنقل آلتها إلى موضع آخر . ونظير هذا " المصحف " فإنه يكره بيعه كراهة تحريم أو تنزيه .

                وأما إبداله فيجوز عنده في إحدى الروايتين عنه من غير كراهة ; ولكن ظاهر مذهبه : أنه إذا بيع واشتري بثمنه فإن هذا من جنس [ ص: 213 ] الإبدال ; إذ فيه مقصوده ; فإن هذا فيه صرف نفعه إلى نظير المستحق إذا تعذر صرفه إلى عينه . فإن المسجد إذا كان موقوفا ببلدة أو محلة فإذا تعذر انتفاع أهل تلك الناحية به صرفت المنفعة في نظير ذلك فيبنى بها مسجد في موضع آخر كما يقول مثل ذلك في زيت المسجد وحصره إذا استغنى عنها المسجد : تصرف إلى مسجد آخر ويجوز صرفها عنده في فقراء الجيران . واحتج على ذلك بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقسم كسوة الكعبة بين المسلمين فكذلك كسوة سائر المساجد ; لأن المسلمين هم المستحقون لمنفعة المساجد واحتج على صرفها في نظير ذلك : بأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه جمع مالا لمكاتب ففضلت فضلة عن قدر كتابته فصرفها في مكاتب أخر ; فإن المعطين أعطوا المال للكتابة فلما استغنى المعين صرفها في النظير .

                والمقصود أن أحمد بن حنبل - رحمه الله - اختلف قوله في بيع المسجد عند عدم الانتفاع به ولم يختلف قوله في بيع غيره عند الحاجة . قال : في رواية ابنه عبد الله : إذا خرب المسجد يباع وينفق ثمنه على مسجد آخر . وقال القاضي أبو يعلى في " المجرد " وابن عقيل في " الفصول " وغيرهما واللفظ للقاضي - : ونفقة الوقف من غلته ; لأن القصد الانتفاع به مع بقاء عينه . وهذا لا يمكن إلا بالإنفاق عليه فكان إبقاؤه يتضمن الإنفاق [ ص: 214 ] عليه وما يبقى للموقوف عليه فإن لم تكن له غلة مثل أن كان عبدا تعطل أو بهيمة هزلت فالموقوف عليه بالخيار بين الإنفاق عليه لأنه هو المالك وبين أن يبيعه ويصرف ثمنه في مثله . وإن كان الموقوف على المساكين فالنفقة في بيت المال لأنه لا مالك له بعينه فهو كالمسجد صلى الله عليه وسلم وإن رأى الإمام بيعه وصرف ثمنه في مثله جاز وإذا كان الوقف دارا فخربت وبطل الانتفاع بها بيعت وصرف ثمنها إلى شراء دار ويجعل وقفا مكانها . وكذلك الفرس الحبيس إذا هرم وتعطل يباع ويشترى بثمنه فرس يصلح لما وقف له .

                قال في رواية بكر بن محمد : إن أمكن أن يشتري بثمنه فرسا اشترى وجعل حبيسا ; وإلا جعله في ثمن دابة حبيس وكذلك المسجد إذا خرب وحصل بموضع لا يصلي فيه جاز نقله إلى موضع عامر وجاز بيع عرصته . نص عليه في رواية عبد الله . قال أبو بكر : وتكون الشهادة في ذلك على الإمام . قال وقال أبو بكر في " كتاب القولين " : وقد روى علي بن سعيد : أن المساجد لا تباع ولكن تنقل . قال أبو بكر : وبالأول أقول . يعني رواية عبد الله ; لإجماعهم على جواز بيع الفرس الحبيس . وقال أحمد في رواية الحسن بن ثواب في عبد لرجل بمكة - يعني وقفا - فأبى العبد أن يعمل : [ ص: 215 ] يباع فيبدل عبدا مكانه . ذكرها القاضي أبو يعلى في مسألة عتق الرهن في " التعليق " . قال أبو البركات : فجعل امتناعه كتعطل نفعه . يعني ويلزم بإجباره كل العمل كما يجبر المستأجر وإن كان امتناعه محرما وجعل تعذر الانتفاع بهذا الوجه كتعطله ; نظرا إلى مصلحة الوقف .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية