الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله : ( سفل له علو وسفل مجرد وعلو مجرد قوم كل على حدة وقسم بالقيمة ) وهذا قول محمد وعليه الفتوى ، وقال الإمام : والثاني يقسم بالذرع لأن القسمة بالذرع هي الأصل في المذروع والكلام فيه والعبرة للتسوية في أصل السكنى كما في المرافق ، قال في العناية : وصورتها علو مشترك بين رجلين وسفله لآخر وسفل مشترك بينهما وعلو لآخر وبيت كامل مشترك بينهما والكل في دار واحد ، أو في دارين قيدنا بهذا لئلا يقال : قسمة العلو مع السفل قسمة واحدة إذا كانت البيوت متفرقة لا يصح عند الإمام لمحمد أن السفل يصلح لما لا يصلح له العلو كالبئر والإصطبل والسرداب وغيره فصار كالجنسين فلا يمكنه التعديل إلا بالقسمة وكيفية القسمة على قول الإمام ذراع سفل بذراعين من العلو وقال أبو يوسف : ذراع بذراع قيل : أجاب كل منهما على عادة أهل عصره وقيل هو اختلاف حجة بينهم ; قال الإمام : لصاحب السفل منافع كثيرة ولصاحب العلو منفعة واحدة وهي منفعة السكنى وأبو يوسف قال : هما سواء في الانتفاع .

                                                                                        وتفسير المسألة على قول الإمام أن يجعل بمقابلة مائة ذراع من العلو المجرد ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من البيت الكامل ، فثلاثة وثلاثون وثلث من العلو الكامل في مقابلة مثله من العلو المجرد ، وثلاثة وثلاثون وثلث من السفل الكامل في مقابلة ست وستين وثلثين من العلو المجرد فذلك تمام مائة ويجعل بمقابلة مائة ذراع من السفل المجرد ستة وستون وثلثا ذراع من البيت الكامل لأن علوه مثل نصف سفله فستة وستون وثلثان من سفل الكامل بمقابلة مثله من السفل المجرد ، وستة وستون وثلثان من العلو الكامل في مقابلة ثلاثة وثلاثين وثلث ذراع من السفل المجرد فذلك تمام مائة ، وتفسير قول الإمام أبي يوسف أن يجعل بمقابلة شيء من السفل المجرد ، أو من العلو المجرد قدر نصفه من البيت الكامل ويقابل نصف العلو بنصف السفل لاستواء العلو والسفل عنده ويجعل بمقابلة شيء من السفل المجرد قدره من العلو المجرد ، وقال محمد : يقسم على قيمة السفل والعلو فإن كان قيمتها على السواء يحسب [ ص: 176 ] ذراع بذراع ، وإن كان قسمة أحدهما أعلى من الآخر يحسب الذي قيمته أعلى على النصف ذراعا بذراعين من الآخر حتى يستويا في القيمة ، وفي الذخيرة فإن قيل كيف يقسم العلو من السفل قسمة واحدة عند الإمام ومن مذهبه أن البيوت المتفرقة لا تقسم قسمة واحدة إن لم تكن في دار واحدة قلنا موضوع المسألة أنهما كانا في دار واحدة والبنيان في دار واحدة .

                                                                                        وإنما يقسم عند الإمام رضي الله تعالى عنه - وإن كان في دارين - بطريق التراضي فلهذا قيد في النهاية بما سبق وعلم من قوله قوم كل على حدة أن البناء لا يقسم بالذراع قال ، وإن قسما دارا فإنه يقسم العرصة بالذراع ويقسم البناء بالقيمة ثم هذا على ثلاثة أوجه فتارة يقسما الأرض نصفين ويشترطا أن من وقع البناء في نصيبه يعطي لصاحبه نصف قيمة البناء ، وقيمة البناء معلومة ، أو اقتسموا ذلك وقيمة البناء غير معلومة بأن اقتسموا الأرض ولم يقتسموا البناء فإن اقتسموا الأرض وشرطا في البناء كما تقدم فيكون بيعا مشروطا في القسمة وهذا البيع من ضرورات القسمة فيكون له حكم القسمة فيجوز ، وإن لم تعرف قسمة البناء واقتسموا كذلك جاز استحسانا ويفسد قياسا لجهالة ثمن البناء .

                                                                                        وجه الاستحسان أن القسمة لاقت العرصة ولا جهالة فيها ومن وقع في نصيبه يتملك على صاحب نصف البناء القيمة فيها ضرورة ، وإن اقتسما الأرض ولم يقتسما البناء جازت القسمة ، ثم يتملك من وقع البناء في نصيبه نصف البناء فالقيمة لأنه لا وجه لإبقاء البناء مشتركا لأن صاحب الأرض يتضرر به ولا وجه لدفع الضرر إلا بتملك الأرض وتملك بالبناء بالقيمة لأنه أقل ضررا من تملك الأرض بالقيمة من غير رضا صاحبها كالغاصب إذا صبغ الثوب يتملك صاحب الثوب الصبغ دون صاحب الصبغ كذا في المحيط هذا إذا اقتسما الأرض فلو وقع القسم في الأرض لواحد والبناء لآخر ، قال : دار بين رجلين فاقتسما على أن يأخذ أحدهما الأرض والآخر البناء ولا شيء له من الأرض فهذا على ستة أوجه : إذا شرطا في القسمة على أن من له البناء يكون مشتريا نصيب صاحبه من البناء بما تركه على صاحبه من الأرض فإن سكتا عن القلع ، أو شرطا ذلك جازت القسمة وإن شرطا الترك فالقسمة فاسدة كذا في الكافي ، وفي الذخيرة يجب بأن يعلم أن الملك لا يقع لواحد من الشركاء بنفس القسمة بل يتوقف ذلك على أحد معان : إما القبض أو قضاء القاضي ، أو الفرقة . ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط : أرض ودار بين اثنين فأحدهما أخذ الدار والآخر الأرض على أن يرد صاحب الأرض عليه عبدا قيمته ألف وقيمة الدار ألف وقيمة الأرض ألفان فباع صاحب الدار داره فاستحق علو بيت والبيت والعلو عشر الدار : يرجع المشتري على البائع بنصف عشر الدار ومسك الباقي فإن صاحب الدار يرجع بستة عشر درهما وثلثي درهم من قيمة الأرض على صاحب الأرض عند الإمام وقال أبو يوسف : يرجع بذلك في رقبتها .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية