الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( كتاب المزارعة ) .

                                                                                        لما كان الخارج من الأرض في عقد المزارعة من أنواع ما يقع فيه القسمة ذكر المزارعة عقب القسمة فهي لغة مفاعلة من الزراعة وشريعة ما ذكر المؤلف وسببها سبب المعاملات وركنها الإيجاب والقبول وشرائط جوازها كون الأرض صالحة للزراعة وكون رب الأرض والمزارع من أهل العقد ، وبيان المدة فلو ذكر مدة لا يخرج الزرع فيها لم تجز المزارعة ، وصفتها أنها فاسدة عند الإمام جائزة عندهما ودليلها ما روي أنه عليه الصلاة والسلام { دفع الأرض لأهل خيبر مزارعة } .

                                                                                        قال رحمه الله : ( هي عقد على الزرع ببعض الخارج ) فقوله عقد جنس ، وقوله : على الزرع يشمل المزروع حقيقة وهو الملقى في الأرض قبل الإدراك قاله خواهر زاده ، أو باعتبار ما يؤول إليه بأن كانت فارغة وقوله : ببعض الخارج فصل أخرج سائر العقود ، والمساقاة لأنها عقد على بعض الثمرة وأطلق في العقد فشمل مع الأجنبي ، أو الشريك قال في فتاوى الفضلي أرض بين رجلين دفعها أحدهما للآخر مزارعة على أن الخارج ثلثه للدافع وثلثان للعامل جاز في أصح الروايتين . ا هـ .

                                                                                        قال رحمه الله : ( وتصح بشرط صلاحية الأرض للزراعة وأهلية العاقدين وبيان المدة ورب البذر وجنسه وحظ الآخر والتخلية بين الأرض والعامل والشركة في الخارج ) وهذا قول الثاني والثالث وقال الإمام : لا تجوز المزارعة ، لهما ما روي أنه عليه الصلاة والسلام { دفع الأرض مزارعة لأهل خيبر على نصف ما خرج منها من ثمر ، أو زرع } ولأنها عقد شركة بمال من أحد الشريكين وعمل من الآخر فتجوز اعتبارا بالمضاربة والجامع دفع الحاجة فإن صاحب المال قد لا يهتدي إلى العمل والمهتدي إليه قد لا يجد المال فمست الحاجة إلى انعقاد هذا العقد وللإمام ما روي أنه عليه الصلاة والسلام { نهى عن المخابرة } وهي المزارعة بالثلث والربع والذي ورد في خيبر هو خراج مقاسمة لا يقال هذا مخالف لما تقدم في باب العشر والخراج من أن أرض العرب كلها عشرية لأنا نقول أرض خيبر ليست من أرض العرب لأنها لا يقر فيها على الكفر فإن قلت : هم يهود قلنا خيبر ليست داخلا في حدود أرض العرب ، وإذا فسدت المزارعة عنده يجب على صاحب البذر أجرة مثل الأرض ، أو العمل ، والغلة له لأنها نماء ملكه قال في العناية وهذا منقوض بمن غصب بذر آخر وزرعه في أرض فإن الزرع له ، وإن كان نماء ملك صاحب البذور و أجيب بأن الغاصب عامل لنفسه باختياره وتحصيله فكان إضافة الحادث إلى عمله أولى والمزارع عامل بأمر غيره فجعل الأمر مضافا إلى الآمر . ا هـ .

                                                                                        ولقائل أن يقول السؤال غير وارد والجواب غير صحيح أما أولا فقد تقرر أن الغاصب ملك البذر بالمزارعة فالبذر نماء ملك الغاصب فلا يرد .

                                                                                        والجواب لم يصادف محلا وقالوا الفتوى اليوم على قولهما لحاجة الناس إليها وللتعامل ، والقياس يترك بمثل هذا والنص ورد نص بخلافه فيعمل به لأنه هو الظاهر عندهما ثم شرط في المختصر لجوازها عندهما أن تكون الأرض صالحة للزراعة لأن المقصود لا يحصل بدونه وأن يكون رب الأرض والمزارع من أهل العقد لأن العقد لا يصح إلا من الأهل وأن يبين المدة لأنه عقد على منافع الأرض ، أو العامل وهي تعرف ويشترط أن تكون المدة قدر ما يتمكن فيها من الزراعة ، أو أكثر وأن لا تكون قدر من لا يعيش إليه مثلهما ، أو أحدهما غالبا ، وعند محمد بن سلمة لا يشترط بيان المدة ويقع على سنة واحدة ، وفي الخانية قال المشايخ : يشترط بيان الوقت وتكون الزراعة على أول سنة والفتوى على بيان المدة وإن بقي بعد تمام السنة ما يمكن فيه الزراعة لا تبقى الزراعة [ ص: 182 ] وفي العتابية .

                                                                                        ولو ذكر مدة أن يخرج فإن خرج ظهر أنه صحيح ، وإلا فلا وأن يبين من عليه البذر لأن المعقود - وهو منافع العامل ، أو منافع الأرض - لا يعرف إلا ببيان من عليه البذر وأن يبين جنس البذر لأن الأجرة منه فلا بد من بيان جنس الأجرة ، وفي الذخيرة ، وفي الاستحسان بيان ما يزرع في الأرض ليس بشرط فوض الرأي إلى المزارع ، أو لم يفوض بعد أن ينص على المزارعة لأن ذلك يصير معلوما بإعلام الأرض ومثله في الخانية ، وإن بين نصيب من لا بذر من جهته وهو المراد بالأجر لأنه أجرة عمله وأرضه فلا بد أن يكون معلوما وأن يخلي بين الأرض والعامل لأنه بذلك يتمكن من العمل وعمل رب الأرض مع العامل لا يصح وأن يكون الخارج مشتركا بينهما لأنه هو المقصود بها فتنعقد إجارة في الابتداء وتقع شركة في الانتهاء ولهذا لو شرط لأحدهما قفيزا مسماة فسدت لأنه يؤدي إلى قطع الشركة في البعض المسمى ، أو في الكل أو لم تخرج الأرض أكثر من ذلك وكذا إذا شرط أن يدفع قدر بذره لما ذكرنا بخلاف ما إذا شرط أن يرفع عشر الخارج أو ثلثه ، والباقي بينهما ; لأنه يؤدي إلى قطع الشركة وهو يحصل أن يكون حيلة للوصول إلى رفع البذر وقيدنا بقولنا ببعض الخارج لأنه إذا كان الخارج كله لواحد منهما فليست بمزارعة قال رب الأرض للمزارع ازرع أرضي ببذرك على أن الخارج كله لي فهذا الشرط جائز ويصير العامل مقترضا للبذر من رب الأرض ويكون العامل معينا له ، وفي العتابية ازرع لي في أرضك ببذرك جاز ولو لم يقل لي والمسألة بحالها لم يجز وقال عيسى بن أبان : يجب أن يكون كالأول ولو قال في المسألة : على أن الخارج نصفين جاز .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية