الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          483 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          وحد دنو المرء من سترته أقرب ذلك قدر ممر الشاة ، وأبعده ثلاثة أذرع لا يحل لأحد الزيادة على ذلك فإن بعد عن سترته عامدا أكثر من ثلاثة أذرع وهو ينوي أنها سترته بطلت صلاته ، فإن لم ينو أنها سترة له فصلاته تامة .

                                                                                                                                                                                          وكل ما مر أمامه مما يقطع الصلاة والسترة بينه وبينه أو مقدارها - نوى ذلك سترة أو لم ينو - : فصلاته تامة ، وسواء مر ذلك على السترة أو خلفها ؟ وحد مقدار السترة : ذراع في أي غلظ كان ومن مر أمام المصلي وجعل بينه وبينه أكثر من ثلاثة أذرع فلا إثم على المار ، وليس على المصلي دفعه ، فإن مر أمامه على ثلاثة أذرع فأقل فهو آثم إلا أن تكون سترة المصلي أقل من ثلاثة أذرع ، فلا حرج على المار في المرور وراءها أو عليها .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا علي بن حجر ، وإسحاق بن منصور قالا : أنا سفيان هو ابن عيينة - عن صفوان بن سليم عن نافع بن جبير بن مطعم عن سهل بن أبي حثمة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : فصار فرضا على من صلى إلى سترة أن يدنو منها ، وكان من لم يدن منها - إذا صلى إليها - غير مصل كما أمر ، فلا صلاة له ؟ فإذ الدنو منها فرض فلا بد من بيان مقدار الدنو المفترض من خلافه ، إذ لا يمكن أن يأمرنا عليه السلام بأمر يلزمنا ، ثم لا يبينه علينا ، والله تعالى قد أمره بالبيان علينا ، والتبليغ إلينا ، قال تعالى : { بلغ ما أنزل إليك من ربك } .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 102 ] فنظرنا في ذلك فوجدنا - : عبد الله بن يوسف بن نامي حدثنا قال : ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثنا ابن أبي حازم هو عبد العزيز - ثنا أبي عن سهل بن سعد الساعدي قال : { كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر الشاة } فكان هذا أقل ما يمكن من الدنو ، إذ ما كان أقل من هذا فمانع من الركوع ومن السجود إلا بتقهقر ، ولا يجوز تكلف ذلك إلا لمن لا يقدر على أكثر من ذلك .

                                                                                                                                                                                          وقد وجدنا عبد الله بن ربيع حدثنا ، قال : ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن سلمة عن ابن القاسم حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر ، قال : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ، هو وأسامة بن زيد ، وبلال ، وعثمان بن طلحة الحجبي فأغلقها عليه ، فسألت بلالا حين خرج : ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : جعل عمودا عن يساره وعمودين عن يمينه ، وثلاثة أعمدة وراءه - وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة - ثم صلى ، وجعل بينه وبين الجدار نحوا من ثلاثة أذرع } . قال علي : لم نجد في البعد عن السترة أكثر من هذا ، فكان هذا حد البيان في أقصى الواجب من ذلك - وقد ذكرنا البراهين فيما خلا من كتابنا هذا ولله تعالى الحمد .

                                                                                                                                                                                          وقد قال بهذا قبلنا طائفة من السلف - : روينا عن ابن جريج عن عطاء قال : يقال : أدنى ما يكفيك فيما بينك وبين السارية ثلاثة أذرع . وقد { صلى عليه السلام إلى الحربة ، والعنزة ، والبعير ، وحد السترة في ارتفاعها بمؤخرة الرحل } ، ورويناه عن أبي سعيد وعطاء وغيرهم . [ ص: 103 ]

                                                                                                                                                                                          ولم يصح في الخط شيء ، فلا يجوز القول به - وبالله تعالى التوفيق

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية