الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين ( 26 ) فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ( 27 ) )

يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء المستعجليك بالعذاب وقيام الساعة : إنما علم الساعة ، ومتى تقوم القيامة عند الله ، لا يعلم ذلك غيره ( وإنما أنا نذير مبين ) يقول : وما أنا إلا نذير لكم أنذركم عذاب الله على كفركم به ( مبين ) : قد أبان لكم إنذاره . [ ص: 518 ]

وقوله : ( فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا ) يقول تعالى ذكره : فلما رأى هؤلاء المشركون عذاب الله زلفة ، يقول : قريبا ، وعاينوه ، ( سيئت وجوه الذين كفروا ) يقول : ساء الله بذلك وجوه الكافرين .

وبنحو الذي قلنا في قوله : ( زلفة ) قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : ( فلما رأوه زلفة سيئت ) قال : لما عاينوه .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا يحيى بن أبي بكير ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، قال : سألت الحسن ، عن قوله : ( فلما رأوه زلفة ) قال : معاينة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( فلما رأوه زلفة ) قال : قد اقترب .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا ) لما عاينت من عذاب الله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فلما رأوه زلفة ) قال : لما رأوا عذاب الله زلفة ، يقول : سيئت وجوههم حين عاينوا من عذاب الله وخزيه ما عاينوا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فلما رأوه زلفة سيئت ) قيل : الزلفة حاضر ، قد حضرهم عذاب الله عز وجل .

( وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ) يقول : وقال الله لهم : هذا العذاب الذي كنتم به تذكرون ربكم أن يعجله لكم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ) قال : استعجالهم بالعذاب . [ ص: 519 ]

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار ( هذا الذي كنتم به تدعون ) بتشديد الدال بمعنى تفتعلون من الدعاء .

وذكر عن قتادة والضحاك أنهما قرأا ذلك ( تدعون ) بمعنى تفعلون في الدنيا .

حدثني أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، قال : أخبرنا أبان العطار وسعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة أنه قرأها ( الذي كنتم به تدعون ) خفيفة ; ويقول : كانوا يدعون بالعذاب ، ثم قرأ : ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) .

والصواب من القراءة في ذلك ، ما عليه قراء الأمصار لإجماع الحجة من القراء عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية