الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ويزوج المغلوب على عقله أبوه إذا كانت به إلى ذلك حاجة وابنه الصغير فإن كان مجنونا أو مخبولا كان النكاح مردودا لأنه لا حاجة به إليه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : لا يخلو حال الابن إذا أراد الأب أن يزوجه من أحد حالين ، إما أن يكون عاقلا أو مجنونا ، فإن كان عاقلا لم يخل حاله من أن يكون بالغا أو صغيرا ، فإن كان بالغا فلا ولاية عليه للأب في نكاحه ، فإن زوجه بغير إذنه كان النكاح باطلا حتى يكون هو المتولي للعقد أو الإذن فيه ، وإن كان صغيرا جاز للأب تزويجه في صغره ، فإن ابن عمر زوج ابنا له وهو صغير : ولأنه محتاج إليه في الأغلب إذا بلغ فعجل الأب له ذلك ليألف صيانة الفرج ، وربما رغب الناس فيه لكفالة الأب ، فإن زوجه واحدة لزمه نكاحها وليس له بعد البلوغ خيار ، فإن أراد الفراق فبالطلاق ، وإن أراد الأب تزويجه بأكثر من واحدة ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجوز : لأن له في الواحدة غناء .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وقد حكي عن الشافعي نصا : أنه يجوز أن يزوجه تمام أربع : لأن معنى الواحدة موجود فيهن ، وإن كان الابن مجنونا ، فله حالتان : صغير ، وكبير ، فإن كان صغيرا لم يكن للأب تزويجه : لعدم حاجته باجتماع جنونه مع صغره ، وإن كان للأب تزويج بنته الصغيرة المجنونة ، والفرق بينهما أن البنت قد تكتسب بالتزويج المهر والنفقة ، والابن ملتزمهما . وإن كان الابن بالغا ، فإن لم يكن به إلى التزويج حاجة لم يزوجه ، وإن كان محتاجا وحاجته تكون من أحد وجهين : إما أن يرى متوثبا على النساء : لكثرة شهوته وقوة شبقه ، وإما أن يحتاج إلى خادم وخدمة الزوجة أرفق به : لفضل حنوها وكثرة شفقتها ، فيجوز له حينئذ تزويجه بواحدة لا يزيده عليها : لأن له فيها غناء ، فإن أفاق من جنونه ، كان النكاح على لزومه .

                                                                                                                                            [ ص: 132 ] فأما المغمى عليه ، فلا يجوز للأب تزويجه : لأن الإغماء مرض يرجى سرعة زواله ، بخلاف الجنون .

                                                                                                                                            فأما الذي يجن في زمان ويفيق في زمان ، فليس للأب تزويجه لا سيما إن كان زمان إفاقته أكثر : لأنه قد يقدر على العقد في زمان الإفاقة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية