الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون

                                                                                                                                                                                                لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم : لا يفعل ذلك بعضكم ببعض، جعل غير الرجل نفسه إذا اتصل به أصلا أو دينا، وقيل: إذا قتل غيره فكأنما قتل نفسه; لأنه يقتص منه.

                                                                                                                                                                                                ثم أقررتم : بالميثاق واعترفتم على أنفسكم بلزومه، وأنتم تشهدون : عليها كقولك: فلان مقر على نفسه بكذا شاهد عليها، وقيل: وأنتم تشهدون اليوم، يا معشر اليهود على إقرار أسلافكم بهذا الميثاق ثم أنتم هؤلاء استبعاد لما أسند إليهم من القتل والإجلاء والعدوان بعد أخذ الميثاق منهم وإقرارهم وشهادتهم، والمعنى ثم أنتم بعد [ ص: 292 ] ذلك هؤلاء المشاهدون، يعني أنكم قوم آخرون غير أولئك المقرين تنزيلا، لتغير الصفة منزلة وتغير الذات، كما تقول: رجعت بغير الوجه الذي خرجت به، وقوله: "تقتلون": بيان لقوله: ثم أنتم هؤلاء وقيل: "هؤلاء" موصول بمعنى الذي، وقرئ: (تظاهرون): بحذف التاء وإدغامها، وتتظاهرون بإثباتها، وتظهرون بمعنى تتظهرون أي: تتعاونون عليهم، وقرئ: (تفدوهم)، (وتفادوهم)، (وأسرى)، (وأسارى) . "وهو": ضمير الشأن، ويجوز أن يكون مبهما تفسيره، إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب أي: بالفداء، وتكفرون ببعض أي: بالقتال والإجلاء، وذلك أن قريظة كانوا حلفاء الأوس، والنضير كانوا حلفاء الخزرج، فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه، وإذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم، وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه، فعيرتهم العرب وقالت: كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم، فيقولون: أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم، ولكنا نستحي أن نذل حلفاءنا، والخزي: قتل بني قريظة وأسرهم وإجلاء بني النضير، وقيل: الجزية، وإنما رد من فعل منهم ذلك إلى أشد العذاب; لأن عصيانه أشد، وقرئ (يردون) (ويعملون) بالياء والتاء.

                                                                                                                                                                                                فلا يخفف عنهم : عذاب الدنيا بنقصان الجزية، ولا ينصرهم أحد بالدفع عنهم، وكذلك عذاب الآخرة.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية