الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ مرسل الصحابي ] ( أما ) الخبر ( الذي أرسله الصحابي ) الصغير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; كابن عباس ، وابن الزبير ، ونحوهما ممن لم يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا اليسير ، وكذا الصحابي الكبير فيما ثبت عنه أنه لم يسمعه إلا بواسطة .

( فحكمه الوصل ) المقتضي للاحتجاج به ; لأن غالب رواية الصغار منهم عن الصحابة ، وروايتهم عن غيرهم - كما قال النووي في شرح المهذب - زيادة ، فإذا رووها بينوها ، وحيث أطلقوا ، فالظاهر أنهم عنوا الصحابة . انتهى .

ولا شك أنهم عدول لا يقدح فيهم الجهالة بأعيانهم ، وأيضا فما يرويه عن التابعين ، غالبه بل عامته إنما هو من الإسرائيليات ، وما أشبهها من الحكايات ، وكذا الموقوفات ، والحكم المذكور ( على الصواب ) المشهور ، بل أهل الحديث وإن سموه مرسلا ، لا خلاف بينهم في الاحتجاج به ، وإن نقل ابن كثير عن ابن الأثير وغيره فيه خلافا .

وقول الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني وغيره من أئمة [ ص: 193 ] الأصول : أنه لا يحتج به - ضعيف ، وإن قال ابن برهان في الأوسط : إنه الصحيح ; أي لا فرق بين مراسيل الصحابة ومراسيل غيرهم .

وقال القاضي عبد الجبار : إن مذهب الشافعي ، أن الصحابي إذا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا ، قبل إلا إن علم أنه أرسله ، وكذا نقله ابن بطال في أوائل شرحه للبخاري عن الشافعي ; فالنقل بذلك عن الشافعي خلاف المشهور من مذهبه .

وقد صرح ابن برهان في الوجيز أن مذهبه أن المراسيل لا يجوز الاحتجاج بها ، إلا مراسيل الصحابة ، ومراسيل سعيد ، وما انعقد الإجماع على العمل به .

أما من أحضر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مميز ; كعبيد الله بن عدي بن الخيار ، [ فإنه ليس له سوى رؤية ، كما قاله ابن حبان ، ونحوه قول البغوي : بلغني أنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

ولذا حمل شيخنا ما في البخاري من أن عثمان - رضي الله عنه - قال له : يابن أخي ، أدركت النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : لا ، على أن مراده أنه لم يدرك السماع منه ] .

وكمحمد بن أبي بكر - رضي الله عنهما - ; فإنه ولد عام حجة الوداع ، فهذا مرسل ، [ ص: 194 ] لكن لا يقال : إنه مقبول ; كمراسيل الصحابة ; لأن رواية الصحابة إما أن تكون عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن صحابي آخر ، والكل مقبول .

واحتمال كون الصحابي الذي أدرك وسمع يروي عن التابعين - بعيد جدا ، بخلاف مراسيل هؤلاء ; فإنها عن التابعين بكثرة ، فقوي احتمال أن يكون الساقط غير الصحابي ، وجاء احتمال كونه غير ثقة .

واعلم أنه قد تكلم العلماء في عدة الأحاديث التي صرح ابن عباس بسماعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكان من الغريب قول الغزالي في المستصفى وقلده جماعة : إنها أربعة ليس إلا .

وعن يحيى القطان ، وابن معين ، وأبي داود صاحب السنن : تسعة ، وعن غندر : عشرة ، وعن بعض المتأخرين : أنها دون العشرين من وجوه صحاح .

وقد اعتنى شيخنا بجمع الصحيح والحسن فقط من ذلك ، فزاد على الأربعين ، سوى ما هو في حكم السماع ; كحكاية حضور شيء فعل بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأشار شيخنا لذلك ، عقب قول البخاري في الحديث الثالث من باب الحشر من الرقائق : هذا مما يعد أن ابن عباس سمعه .

خاتمة : المرسل مراتب : أعلاها : ما أرسله صحابي ثبت سماعه ، ثم صحابي له رؤية فقط ، ولم يثبت سماعه ، ثم المخضرم ، ثم المتقن ; كسعيد بن المسيب ، ويليها من كان يتحرى في شيوخه ; كالشعبي ومجاهد ، ودونها مراسيل من كان يأخذ عن كل أحد كالحسن .

[ ص: 195 ] وأما مراسيل صغار التابعين ; كقتادة والزهري وحميد الطويل - فإن غالب رواية هؤلاء عن التابعين .

وهل يجوز تعمده ؟ قال شيخنا : إن كان شيخه الذي حدثه به عدلا عنده وعند غيره فهو جائز بلا خلاف ، أو لا فممنوع بلا خلاف ، أو عدلا عنده فقط أو عند غيره فقط ، فالجواز فيهما محتمل ، بحسب الأسباب الحاملة عليه ، الآتي في التدليس الإشارة لشيء منها .

وقد بسطنا الكلام في هذا النوع بالنسبة لما قبله ; لكونه - كما قال النووي في الإرشاد - من أجل الأبواب ، فإنه أحكام محضة ، ويكثر استعماله بخلاف غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية