الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه الرابع: أن يقال: الموجودات ليست كلها موجودة بغيرها، لأن الغير إن كان معدوما امتنع أن يكون الموجود موجودا بما ليس بموجود. وإن كان الغير موجودا كان الموجود خارجا عن جملة الموجودات.

وإذا لم تكن الموجودات كلها موجودة بغيرها: فإما أن تكون كلها أو كل منها موجودا بنفسه، وإما أن لا يكون، والأول ممتنع، لأن المحدثات التي يشهد حدوثها يعلم بالضرورة أنها ليست موجودة بنفسها، وإذا لم تكن كلها موجودة بغيرها ولا كلها موجودة بنفسها، تعين أن منها [ ص: 102 ] ما هو موجود بنفسه، ومنها ما هو موجود بغيره، وهذا لك أن تعتبره في كل فرد فرد من الموجودات، وفي المجموع فتقول: يمتنع في كل فرد من الموجودات أن يكون موجودا بغير موجود، لأنه إذا كان كل واحد من الموجودات موجودا بغير موجود، لزم أن يكون كل من الموجودات موجودا بمعدوم، وهذا ممتنع، وإذا امتنع فإما أن يكون كل موجود موجودا بنفسه، وإما أن يكون موجودا بوجود غيره، وإما أن يكون منها ما هو موجود بنفسه، ومنها ما هو موجود بوجود غيره.

والأول ممتنع لوجود الحوادث التي لا توجد بأنفسها.

والثاني ممتنع لأن كل واحد واحد من الموجودات إذا كان موجودا بوجود غيره، والغير من الموجودات التي لا توجد إلا بموجود غيرها لم يكن فيها إلا ما هو مفتقر محتاج إلى الغير، وما كان بنفسه مفتقرا محتاجا إلى الغير ولم يوجد إلا بوجود ذلك الغير، وما كان في نفسه لا يوجد إلا بغيره، فأولى أن لا يكون بنفسه مبدعا لغيره، فيلزم أن لا يكون في الموجودات ما هو موجود بنفسه، ولا ما هو فاعل لغيره، فيلزم حينئذ أن لا يوجد شيء من الموجودات؛ لأن الموجود إما موجود بنفسه، وإما بوجود غيره، وهذا إنما لزم لما قدر أن كل موجود موجود بغيره. [ ص: 103 ] فتعين أن من الموجودات ما هو موجود بنفسه وهو المطلوب.

وأما إذا اعتبرت ذلك في المجموع، فمجموع الموجود لا يكون واجبا بنفسه، لأن من أجزائه ما هو ممكن محدث كائن بعد أن لم يكن، والمجموع يتوقف عليه، والمتوقف على الممكن لا يكون واجبا بنفسه، ولا يكون المجموع مفتقرا إلى غيره المباين له، فإن ذلك لا يكون إلا معدوما، والموجود لا يكون مفتقرا إلى فاعل معدوم ليس بموجود فضلا عن مجموع الموجود. فتعين أن يكون المجموع مفتقرا إلى ما هو داخل في المجموع، وذلك البعض لا يكون إلا واجبا بنفسه، إذ لو لم يكن واجبا بنفسه لكان ممكنا مفتقرا إلى غيره، فيكون مجموع كل واحد من الموجودات مفتقرا إلى غيره، وذلك الغير ممكن بنفسه، وهو جزء من المجموع الممكن المفتقر إلى غيره، ويمتنع أن يكون مجموع الممكنات ليس مفتقرا إلى ما هو بعض الممكنات، فإن مجموعهما أعظم من بعضها، وذلك البعض يشرك المجموع في الفقر والاحتياج إلى الغير، ففيه ما فيها من الاحتياج والفقر إلى الغير، مع أن المجموع أعظم منه، فإذا كانت الأجزاء كلها فقيرة محتاجة، والمجموع محتاجا فقيرا، امتنع أن يكون شيء من الأجزاء بالمجموع وحده، فضلا عن أن يكون بجزء آخر، فضلا عن أن يكون المجموع الذي كل أجزائه فقراء بواحد من تلك [ ص: 104 ] الأجزاء الفقراء. وهذا كله بين ضروري لا يستريب فيه من تصوره. ويمكن تصوير هذه المواد على وجوه أخرى.

التالي السابق


الخدمات العلمية