الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أن كان ذا مال وبنين ) إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ( 15 ) سنسمه على الخرطوم ( 16 ) )

اختلفت القراء في قراءة قوله : ( أن كان ) فقرأ ذلك أبو جعفر المدني وحمزة : ( أأن كان ذا مال ) بالاستفهام بهمزتين ، وتتوجه قراءة من قرأ ذلك كذلك إلى وجهين :

أحدهما : أن يكون مرادا به تقريع هذا الحلاف المهين ، فقيل : ألأن كان هذا الحلاف المهين ذا مال وبنين ( إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ) وهذا أظهر وجهيه .

والآخر : أن يكون مرادا به : ألأن كان ذا مال وبنين تطيعه ، على وجه التوبيخ لمن أطاعه . وقرأ ذلك بعد سائر قراء المدينة والكوفة والبصرة : ( أن كان ذا مال ) على وجه الخبر [ ص: 541 ] بغير استفهام بهمزة واحدة ، ومعناه إذا قرئ كذلك : ولا تطع كل حلاف مهين ( أن كان ذا مال وبنين ) كأنه نهاه أن يطيعه من أجل أنه ذو مال وبنين .

وقوله : ( إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ) يقول : إذا تقرأ عليه آيات كتابنا ، قال : هذا مما كتبه الأولون استهزاء به وإنكارا منه أن يكون ذلك من عند الله .

وقوله : ( سنسمه على الخرطوم ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : سنخطمه بالسيف ، فنجعل ذلك علامة باقية وسمة ثابتة فيه ما عاش .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( سنسمه على الخرطوم ) فقاتل يوم بدر ، فخطم بالسيف في القتال .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : سنشينه شينا باقيا .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( سنسمه على الخرطوم ) شين لا يفارقه آخر ما عليه .

وقال آخرون : سيمى على أنفه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( سنسمه على الخرطوم ) قال : سنسم على أنفه .

وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك عندي قول من قال : معنى ذلك : سنبين أمره بيانا واضحا حتى يعرفوه ، فلا يخفى عليهم ، كما لا تخفى السمة على الخرطوم .

وقال قتادة : معنى ذلك : شين لا يفارقه آخر ما عليه ، وقد يحتمل أيضا أن يكون خطم بالسيف ، فجمع له مع بيان عيوبه للناس الخطم بالسيف .

ويعني بقوله : ( سنسمه ) سنكويه . وقال بعضهم : معنى ذلك : سنسمه سمة أهل النار : أي سنسود وجهه .

وقال : إن الخرطوم وإن كان خص بالسمة ، فإنه في مذهب الوجه; لأن بعض الوجه يؤدي عن بعض ، والعرب تقول : والله لأسمنك وسما [ ص: 542 ] لا يفارقك ، يريدون الأنف . قال : وأنشدني بعضهم :


لأعلطنه وسما لا يفارقه كما يحز بحمي الميسم النجر



والنجر : داء يأخذ الإبل فتكوى على أنفها .

التالي السابق


الخدمات العلمية