الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ( 8 ) ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون ( 9 ) ) .

يقول تبارك وتعالى : ( والوزن ) أي : للأعمال يوم القيامة ) الحق ) أي : لا يظلم تعالى أحدا ، كما قال تعالى : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) [ الأنبياء : 47 ] وقال تعالى : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) [ النساء : 40 ] وقال تعالى : ( فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية ) [ القارعة : 6 - 11 ] وقال تعالى : ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) [ المؤمنون : 101 - 103 ] .

فصل :

والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل : الأعمال وإن كانت أعراضا ، إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساما .

قال البغوي : يروى هذا عن ابن عباس كما جاء في الصحيح من أن " البقرة " و " آل عمران " يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان - أو : غيايتان - أو فرقان من طير صواف . من ذلك في الصحيح قصة القرآن وأنه يأتي صاحبه في صورة شاب شاحب اللون ، فيقول : من أنت؟ فيقول : أنا القرآن الذي [ ص: 390 ] أسهرت ليلك وأظمأت نهارك وفي حديث البراء ، في قصة سؤال القبر : " فيأتي المؤمن شاب حسن اللون طيب الريح ، فيقول : من أنت؟ فيقول : أنا عملك الصالح " وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق .

وقيل : يوزن كتاب الأعمال ، كما جاء في حديث البطاقة ، في الرجل الذي يؤتى به ويوضع له في كفة تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر ، ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها : " لا إله إلا الله " فيقول : يا رب ، وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله تعالى : إنك لا تظلم . فتوضع تلك البطاقة في كفة الميزان . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فطاشت السجلات ، وثقلت البطاقة "

رواه الترمذي بنحو من هذا وصححه .

وقيل : يوزن صاحب العمل ، كما في الحديث : " يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين ، فلا يزن عند الله جناح بعوضة " ثم قرأ : ( فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) [ الكهف : 105 ] .

وفي مناقب عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتعجبون من دقة ساقيه ، فوالذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد "

وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحا ، فتارة توزن الأعمال ، وتارة توزن محالها ، وتارة يوزن فاعلها ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية