الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ولكم نصف ما ترك الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : ولكم نصف ما ترك أزواجكم الآية، يقول : للرجل نصف ما تركت امرأته إذا ماتت إن لم يكن لها ولد من زوجها الذي ماتت عنه، أو من غيره، فإن كان لها ولد ذكر أو أنثى، فللزوج الربع مما تركت من المال، من بعد وصية يوصين بها النساء، أو دين عليهن، والدين قبل الوصية، فيها تقديم، ولهن الربع الآية، يعني للمرأة الربع مما ترك زوجها من الميراث إن لم يكن لزوجها الذي مات عنها ولد منها، ولا من غيرها، فإن كان للرجل ولد ذكر أو أنثى، فلها الثمن مما ترك الزوج من المال، وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة يقول : إن كان رجل أو امرأة يورث كلالة، والكلالة : الميت الذي ليس له ولد ولا والد - فإن كانوا أكثر من ذلك يعني : أكثر من واحد اثنين إلى عشرة فصاعدا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 260 ] وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، والدارمي، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "سننه"، عن سعد بن أبي وقاص، أنه كان يقرأ : " وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت من أم " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن الشعبي قال : ما ورث أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الإخوة من الأم مع الجد شيئا قط .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة في قوله : وله أخ أو أخت قال : هؤلاء الإخوة من الأم فهم شركاء في الثلث . قال : ذكرهم وأنثاهم فيه سواء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال : قضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن ميراث الإخوة من الأم بينهم؛ للذكر فيه مثل الأنثى، قال : ولا أرى عمر بن الخطاب قضى بذلك حتى علمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذه الآية التي قال الله : فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 261 ] وأخرج الحاكم عن عمر وعلي، وابن مسعود وزيد في أم وزوج، وإخوة لأب وأم، وإخوة لأم : أن الإخوة من الأب والأم شركاء الإخوة من الأم في ثلثهم؛ وذلك أنهم قالوا : هم بنو أم كلهم، ولم تزدهم الأب إلا قربا؛ فهم شركاء في الثلث .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم عن زيد بن ثابت في المشتركة قال : هبوا أن أباهم كان حمارا ما زادهم الأب إلا قربا، وأشرك بينهم في الثلث .

                                                                                                                                                                                                                                      ذكر الأحاديث الواردة في الفرائض

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج الحاكم ، والبيهقي في "سننه" عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تعلموا الفرائض وعلموه الناس؛ فإنه نصف العلم، وإنه ينسى، وهو أول ما ينزع من أمتي» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم ، والبيهقي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تعلموا الفرائض وعلموها الناس؛ فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة لا يجدان من يقضي بها» .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 262 ] وأخرج الحاكم عن ابن المسيب قال : كتب عمر إلى أبي موسى : إذا لهوتم فالهوا بالرمي، وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال : تعلموا الفرائض، واللحن، والسنة؛ كما تعلمون القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال : تعلموا الفرائض فإنها من دينكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم ، والبيهقي عن ابن مسعود قال : من قرأ منكم القرآن فليتعلم الفرائض؛ فإن لقيه أعرابي قال : يا مهاجر، أتقرأ القرآن؟ فيقول : نعم، فيقول : وأنا أقرأ . فيقول الأعرابي : أتفرض يا مهاجر؟ فإن قال : نعم، قال : زيادة خير، وإن قال : لا، قال : فما فضلك علي يا مهاجر؟! .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال : تعلموا الفرائض، والحج، والطلاق فإنه من دينكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم ، والبيهقي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أفرض أمتي زيد بن ثابت» .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 263 ] وأخرج البيهقي عن الزهري قال : لولا أن زيد بن ثابت كتب الفرائض لرأيت أنها ستذهب من الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وأبو داود في "المراسيل"، والبيهقي عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب إلى قباء يستخير في ميراث العمة والخالة، فأنزل الله عليه : لا ميراث لهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرجه الحاكم موصولا من طريق عطاء، عن أبي سعيد الخدري .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب، أنه كان يقول : عجبا للعمة تورث ولا ترث .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم عن قبيصة بن ذؤيب قال : جاءت الجدة إلى أبي بكر فقالت : إن لي حقا؛ ابن ابن، أو ابن ابنة، لي مات، قال : ما علمت لك في كتاب الله حقا، ولا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئا، وسأسأل، فشهد المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، قال : من سمع ذلك معك؟ فشهد محمد بن مسلمة؛ فأعطاها أبو بكر السدس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم عن زيد بن ثابت، أن عمر لما استشارهم في ميراث الجد [ ص: 264 ] والإخوة قال زيد : كان رأيي أن الإخوة أولى بالميراث، وكان عمر يومئذ يرى أن الجد أولى من الإخوة فحاورته وضربت له مثلا، وضرب علي وابن عباس له مثلا يومئذ السبيل؛ يضربانه ويصرفانه على نحو تصريف زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم عن عبادة بن الصامت قال : إن من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للجدتين من الميراث السدس بينهما بالسوية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم ، والبيهقي ، عن ابن عباس قال : أول من أعال الفرائض عمر، تدافعت عليه، وركب بعضها بعضا قال : والله ما أدري كيف أصنع بكم؟ والله ما أدري أيكم قدم الله ولا أيكم أخر؟ وما أجد في هذا المال شيئا أحسن من أن أقسمه عليكم بالحصص، ثم قال ابن عباس : وايم الله لو قدم من قدم الله، وأخر من أخر الله ما عالت فريضته، فقيل له : وأيها قدم الله؟ قال : كل فريضة لم يهبطها الله من فريضة إلا إلى فريضة؛ فهذا ما قدم الله، وكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي، فتلك التي أخر الله، فالذي قدم كالزوجين والأم، والذي أخر كالأخوات والبنات، فإذا اجتمع من قدم الله وأخر بدئ بمن قدم فأعطي حقه كاملا، فإن بقي شيء كان لهن، [ ص: 265 ] وإن لم يبق شيء فلا شيء لهن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس قال : أترون الذي أحصى رمل عالج عددا؛ جعل في المال نصفا وثلثا وربعا؟ إنما هو نصفان وثلاثة أثلاث وأربعة أرباع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور عن عطاء قال : قلت لابن عباس : إن الناس لا يأخذون بقولي ولا بقولك، ولو مت أنا وأنت ما اقتسموا ميراثا على ما نقول : قال : فليجتمعوا فلنضع أيدينا على الركن، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين، ما حكم الله بما قالوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في "سننه"، عن زيد بن ثابت، أنه أول من أعال الفرائض، وأكثر ما بلغ العول مثل ثلثي رأس الفريضة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس ، أنه كان يقول : من شاء لاعنته عند الحجر الأسود؛ إن الله لم يذكر في القرآن جدا ولا جدة، إن هم إلا الآباء ثم تلا : واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب [يوسف : 38] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 266 ] «أجرؤكم على قسم الجد أجرؤكم على النار» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق عن عمر قال : أجرؤكم على جراثيم جهنم أجرؤكم على الجد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، عن علي قال : من سره أن يتقحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والإخوة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مالك ، والبخاري ، ومسلم ، عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور عن عبد الله بن معقل قال : ما أحدث في الإسلام قضاء بعد قضاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعجب إلي من قضاء معاوية؛ إنا نرثهم ولا يرثونا، كما أن النكاح يحل لنا فيهم ولا يحل لهم فينا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود، والبيهقي ، عن ابن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليس للقاتل من الميراث شيء» .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : غير مضار الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 267 ] أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار يعني : من غير ضرار، لا يقر بحق ليس عليه، ولا يوصي بأكثر من الثلث مضارة للورثة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : غير مضار قال : في الميراث لأهله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"، وعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عن ابن عباس قال : الضرار في الوصية من الكبائر . ثم قرأ : غير مضار .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «الإضرار في الوصية من الكبائر» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مالك ، والطيالسي، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان ، عن سعد بن أبي وقاص، أنه مرض مرضا أشفى منه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 268 ] يعوده فقال : يا رسول الله، إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بالثلثين؟ قال : «لا» . قال : فالشطر؟ قال : «لا» . قال : فالثلث؟ قال : «الثلث والثلث كثير؛ إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل قال : إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم زيادة في حياتكم، يعني الوصية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والبخاري ، ومسلم ، عن ابن عباس قال : وددت أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الثلث كثير» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : ذكر عند عمر الثلث في الوصية قال : الثلث وسط، لا بخس ولا شطط .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب قال : لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع، ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث، [ ص: 269 ] ومن أوصى بالثلث لم يترك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : كانوا يقولون : الذي يوصي بالخمس أفضل من الذي يوصي بالربع، والذي يوصي بالربع أفضل من الذي يوصي بالثلث .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : كان يقال : السدس خير من الثلث في الوصية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن عامر الشعبي قال : من أوصى بوصية لم يحف فيها ولم يضار أحدا، كان له من الأجر ما لو تصدق به في حياته في صحته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : كانوا يكرهون أن يموت الرجل قبل أن يوصي، قبل أن تنزل المواريث .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية