الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        15 - باب ما أحرز المشركون من أموال المسلمين ؛ هل يملكونه أم لا ؟

                                                        5281 - حدثنا فهد قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين ، قال : كانت العضباء من سوابق الحاج ، فأغار المشركون على سرح المدينة ، فذهبوا به ، وفيه العضباء وأسروا امرأة من المسلمين ، وكانوا إذا نزلوا يرسلون إبلهم في أفنيتهم .

                                                        فلما كانت ذات ليلة ، قامت المرأة وقد نوموا ، فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا رغا ، حتى إذا أتت على العضبا ، فأتت على ناقة ذلول فركبتها ، وتوجهت قبل المدينة ، ونذرت : لئن نجاها الله عليها لتنحرنها .

                                                        فلما قدمت عرفت الناقة ، فأتوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته المرأة بنذرها ، فقال : بئس ما جزيتها - أو وفيتها - لا وفاء لنذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملك ابن آدم
                                                        .

                                                        قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى أن غنيمة أهل الحرب من أموال المسلمين ، مردود على المسلمين قبل القسمة وبعدها ؛ لأن أهل الحرب في قولهم لا يملكون أموال المسلمين بأخذهم إياها من المسلمين .

                                                        وقالوا : قول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي أخذت العضباء : لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ، دليل على أنها لم تكن ملكتها بأخذها إياها من أهل الحرب ، وأن أهل الحرب لم يكونوا ملكوها على النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                        وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : ما أخذه أهل الحرب من أموال المسلمين ، فأحرزوه في دارهم ، فقد ملكوه وزال عنه ملك المسلمين .

                                                        [ ص: 263 ] فإذا أوجف عليهم المسلمون ، فأخذوه منهم ، فإن جاء صاحبه قبل أن يقسم ، أخذه بغير شيء ، وإن جاء بعد ما قسم ، أخذه بالقيمة .

                                                        وكان من الحجة لهم في الحديث الأول أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا نذر لابن آدم فيما لا يملك " إنما كان قبل أن تملك المرأة الناقة ؛ لأنها قالت ذلك وهي في دار الحرب ، وكل الناس يقول : إن من أخذ شيئا من أهل الحرب ، فلم يتحول به إلى دار الإسلام ، أنه غير محرز له ، وغير مالك ، وإن ملكه لا يقع عليه حتى يخرج به إلى دار الإسلام ، فإذا فعل ذلك فقد غنمه وملكه .

                                                        فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن المرأة ما قال ؛ لأنها نذرت قبل أن تملكها لئن نجاها الله عليها لتنحرنها ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا نذر لابن آدم فيما لا يملكه ؛ لأن نذرها ذلك كان منها قبل أن تملكها .

                                                        فهذا وجه هذا الحديث ، وليس فيه دليل على أن المشركين قد كانوا ملكوها على النبي صلى الله عليه وسلم بأخذهم إياها منه أم لا ، ولا على أن أهل الحرب يملكون ما أوجفوا عليه من أموال المسلمين أيضا أم لا .

                                                        والذي فيه الدليل على ذلك ، ما .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية