الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله سبحانه : إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص بيان لما هو مرضي عنده سبحانه وتعالى بعد بيان ما هو ممقوت عنده جل شأنه ، وظاهره يرجح أن ما قالوه عبارة عن الوعد بالقتال دون ما يقتضيه ما روي عن الضحاك أو عن ابن زيد في سبب النزول ، ويقتضي أن مناط التوبيخ هو إخلافهم لا وعدهم وصف مصدر وقع موقع اسم الفاعل ، أو اسم المفعول ، ونصبه على الحال من ضمير يقاتلون أي صافين أنفسهم أو مصفوفين ، وكأنهم إلخ حال من المستكن في الحال الأولى أي مشبهين في تلاصقهم ببنيان إلخ ، وهذا ما عناه الزمخشري بقوله : هما أي صفا وكأنهم إلخ حالان متداخلان ، وقول ابن المنير : إن معنى التداخل أن الحال الأولى مشتملة على الحال الثانية فإن هيئة الاتصاف هي هيئة الارتصاص خلاف المعروف من التداخل في اصطلاح النحاة ، وجوز أن يكون حالا ثانية من الضمير .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحوفي : هو في موضع النعت - لصفا - وهو كما ترى ، والمرصوص على ما قال الفراء ومنذر بن سعيد هو المعقود بالرصاص ، ويراد به المحكم ، وقال المبرد : رصصت البناء لاءمت بين أجزائه وقاربته حتى يصير كقطعة واحدة ، ومنه الرصيص وهو انضمام الأسنان ، والظاهر أن المراد تشبيههم في التحام بعضهم ببعض بالبنيان المرصوص من حيث إنهم لا فرجة بينهم ولا خلل ، وقيل : المراد استواء نياتهم في الثبات حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان المرصوص ، والأكثرون على الأول ، وفي أحكام القرآن فيه استحباب قيام المجاهدين للقتال صفوفا كصفوف الصلاة وأنه يستحب سد الفرج والخلل في الصفوف ، وإتمام الصف الأول فالأول ، وتسوية الصفوف عدم تقدم بعض على بعض فيها ، وقال ابن الفرس : استدل به بعضهم على أن قتال الرجالة أفضل من قتال الفرسان لأن التراص إنما يمكن منهم ، ثم قال : وهو ممنوع . انتهى ، ثم إن القتال على هذه الهيئة اليوم من أصول العساكر المحمدية النظامية لا زالت منصورة مؤيدة بالتأييدات الربانية ، وأنت تعلم أن للوسائل حكم المقاصد فما يتوصل به إلى تحصيل الاتصاف بذلك مما لا ينبغي أن يتكاسل في تحصيله ، وقرأ زيد بن علي [ ص: 85 ]

                                                                                                                                                                                                                                      يقاتلون بفتح التاء ، وقرئ - يقتلون - وقوله تعالى : وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني كلام مستأنف مقرر لما قبله من شناعة ترك القتال

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية