الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 127 ] مسألة : والأعمى ، والبصير ، والخصي ، والفحل ، والعبد ، والحر ، وولد الزنى ، والقرشي - : سواء في الإمامة في الصلاة ، وكلهم جائز أن يكون إماما راتبا ، ولا تفاضل بينهم إلا بالقراءة ، والفقه ، وقدم الخير ، والسن ، فقط ؟ وكره مالك إمامة ولد الزنى ، وكون العبد إماما راتبا - ولا وجه لهذا القول ، لأنه لا يوجبه قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا قول صاحب ، وعيوب الناس في أديانهم وأخلاقهم ، لا في أبدانهم ولا في أعراقهم .

                                                                                                                                                                                          قال الله عز وجل : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } .

                                                                                                                                                                                          واحتج بعض المقلدين له بأن قال : يفكر من خلفه فيه فيلهى عن صلاته قال علي : وهذا في غاية الغثاثة والسقوط ولا شك في أن فكرة المأموم في أمر الخليفة إذا صلى بالناس ، أو الأحدب إذا أمهم - أكثر من فكرته في ولد الزنى ، ولو كان لشيء مما ذكرنا حكم في الدين لما أغفله الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم : { وما كان ربك نسيا } .

                                                                                                                                                                                          والعجب كله في الفرق بين الإمام الراتب وغير الراتب وتجوز إمامة الفاسق كذلك ونكرهه ، إلا أن يكون هو الأقرأ ، والأفقه ، فهو أولى حينئذ من الأفضل ، إذا كان أنقص منه في القراءة ، أو الفقه ، ولا أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وله ذنوب .

                                                                                                                                                                                          قال عز وجل : { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى : { والصالحين من عبادكم وإمائكم } . فنص تعالى على أن من لا يعرف له أب : إخواننا في الدين .

                                                                                                                                                                                          وأخبر أن في العبيد والإماء صالحين ؟ - : حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن [ ص: 128 ] جريج أخبرني عبد الله بن أبي مليكة : أنهم كانوا يأتون عائشة أم المؤمنين بأعلى الوادي ، هو وأبوه ، وعبيد بن عمير ، والمسور بن مخرمة وناس كثير ، فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة وهو غلامها لم يعتق ، فكان إمام أهلها بني محمد بن أبي بكر ، وعروة ، وأهلها ، إلا عبد الله بن عبد الرحمن كان يستأخر عنه أبو عمرو فقالت عائشة رضي الله عنها : إذا غيبني أبو عمرو ودلاني في حفرتي فهو حر ؟ وعن إبراهيم النخعي قال : يؤم العبد الأحرار وعن شعبة عن الحكم بن عتيبة قال : كان يؤمنا في مسجدنا هذا عبد ، فكان شريح يصلي فيه ؟

                                                                                                                                                                                          وعن وكيع عن سفيان الثوري عن يونس عن الحسن البصري قال : ولد الزنى وغيره سواء ؟ وعن وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال : ولد الزنى بمنزلة رجل من المسلمين ، يؤم ، وتجوز شهادته إذا كان عدلا وعن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت إذا سئلت عن ولد الزنى : قالت ليس عليه من خطيئة أبويه شيء { ولا تزر وازرة وزر أخرى } .

                                                                                                                                                                                          وعن وكيع عن سفيان الثوري عن برد أبي العلاء عن الزهري قال : كان أئمة من ذلك ، قال وكيع : يعني من الزنى .

                                                                                                                                                                                          وعن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان قال : سألت إبراهيم عن ولد الزنى ، والأعرابي ، والعبد ، والأعمى : هل يؤمون ؟ قال : نعم ، إذا أقاموا الصلاة وعن الشعبي : ولد الزنى تجوز شهادته ويؤم ؟ وعن معمر قال سألت الزهري عن ولد الزنى : هل يؤم ؟ قال : نعم ، وما شأنه ؟ [ ص: 129 ] وقد كان أبو زيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم وهو مقعد ذاهب الرجل وقد كان طلحة أشل اليد ، وما اختلف في جواز إمامته ، وقد كان في الشورى .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أنه دخل على عثمان رضي الله عنه وهو محصور ، فقال له : إنك إمام عامة ، ونزل بك ما نرى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج ، فقال له عثمان : إن الصلاة أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسن الناس فأحسن معهم ، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم ؟ وكان ابن عمر يصلي خلف الحجاج ، ونجدة - : أحدهما خارجي ، والثاني أفسق البرية وكان ابن عمر يقول : الصلاة حسنة ما أبالي من شركني فيها ؟ وعن ابن جريج قلت لعطاء : أرأيت إماما يؤخر الصلاة حتى يصليها مفرطا فيها ؟ قال : أصلي مع الجماعة أحب إلي ، قلت : وإن اصفرت الشمس ولحقت برءوس الجبال ؟ قال : نعم ، ما لم تغب ، قلت لعطاء : فالإمام لا يوفي الصلاة ، أعتزل الصلاة معه ؟ قال : بل صل معه ، وأوف ما استطعت ، الجماعة أحب إلي ، فإن رفع رأسه من الركوع ولم يوف الركعة فأوف أنت ، فإن رفع رأسه من السجدة ولم يوف ، فأوف أنت ، فإن قام وعجل عن التشهد فلا تعجل أنت ، وأوف وإن قام ؟ وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عقبة عن أبي وائل : أنه كان يجمع مع المختار الكذاب .

                                                                                                                                                                                          وعن أبي الأشعث قال : ظهرت الخوارج علينا فسألت يحيى بن أبي كثير ، فقلت : يا أبا نصر ، كيف ترى في الصلاة خلف هؤلاء ؟ قال : القرآن إمامك ، صل معهم ما صلوها ؟ وعن إبراهيم النخعي قلت لعلقمة : إمامنا لا يتم الصلاة ؟ قال علقمة : لكنا نتمها ، يعني نصلي معه ونتمها [ ص: 130 ] وعن الحسن : لا تضر المؤمن صلاته خلف المنافق ، ولا تنفع المنافق صلاته خلف المؤمن ؟ وعن قتادة قلت لسعيد بن المسيب : أنصلي خلف الحجاج ؟ قال : إنا لنصلي خلف من هو شر منه قال علي : ما نعلم أحدا من الصحابة رضي الله عنهم امتنع من الصلاة خلف المختار ، وعبد الله بن زياد ، والحجاج ، ولا فاسق أفسق من هؤلاء .

                                                                                                                                                                                          وقد قال الله عز وجل : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } .

                                                                                                                                                                                          ولا بر أبر من الصلاة وجمعها في المساجد فمن دعا إليها ففرض إجابته وعونه على البر والتقوى الذي دعا إليهما ، ولا إثم بعد الكفر آثم من تعطيل الصلوات في المساجد ، فحرام علينا أن نعين على ذلك ؟ وكذلك الصيام ، والحج ، والجهاد ، من عمل شيئا من ذلك عملناه معه ، ومن دعانا إلى إثم لم نجبه ، ولم نعنه عليه وكل هذا قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ؟

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية