الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            معلومات الكتاب

                                                            المصباح المنير في غريب الشرح الكبير

                                                            أبو العباس الفيومي - أحمد بن محمد بن علي الفيومي

                                                            صفحة جزء
                                                            ( فصل ) إذا كان الفعل الثلاثي على فعل يفعل وزان ضرب يضرب وهو سالم فالمفعل منه بالفتح مصدر للتخفيف وبالكسر اسم زمان ومكان نحو صرف مصرفا بالفتح أي صرفا وهذا مصرفه أي زمان صرفه ومكان صرفه ، والكسر إما للفرق وإما لأن المضارع مكسور فأجري عليه الاسم .

                                                            وفي التنزيل { ولم يجدوا عنها مصرفا } أي موضعا ينصرفون إليه وشذ من ذلك المرجع فجاء المصدر بالكسر كالاسم قال الله تعالى { إلى الله مرجعكم } أي رجوعكم ، والمعذرة والمغفرة والمعرفة والمعتبة فيمن كسر المضارع ، وجاء بالفتح وبالكسر أيضا المعجز والمعجزة والمراد باسم الزمان والمكان الاسم المشتق لزمان الفعل ومكانه وكان الأصل أن يؤتى بلفظ الفعل ولفظ الزمان والمكان فيقال هذا الزمان أو المكان الذي كان فيه كذا لكنهم عدلوا عن ذلك واشتقوا من الفعل اسما للزمان والمكان إيجازا واختصارا .

                                                            وإن كان من ذوات التضعيف فالمصدر بالفتح والكسر معا نحو فر مفرا ومفرا وبالفتح قرأ السبعة في قوله تعالى { أين المفر } أي الفرار وإن كان معتل الفاء بالواو فالمفعل بالكسر للمصدر والمكان والزمان لازما كان أو متعديا نحو وعد موعدا أي وعدا وهذا موعده ووصله موصلا وهذا موصله .

                                                            وفي التنزيل { قال موعدكم يوم الزينة } أي ميعادكم وإن كان معتل العين بالياء فالمصدر مفتوح والاسم مكسور كالصحيح نحو مال ممالا وهذا مميله وهذا هو الأكثر وقد يوضع كل واحد موضع الآخر نحو المعاش والمعيش والمسار والمسير قال ابن السكيت ولو فتحا جميعا في الاسم والمصدر أو كسرا معا فيهما لجاز لقول العرب المعاش والمعيش يريدون بكل واحد المصدر [ ص: 701 ] والاسم ، وكذلك المعاب والمعيب قال الشاعر

                                                            أنا الرجل الذي قد عبتموني وما فيكم لعياب معاب

                                                            ، وقال

                                                            أزمان قومي والجماعة كالذي     منع الرحالة أن تميل ممالا

                                                            أي أن تميل ميلا والرحالة الرحل والسرج أيضا .

                                                            وقال ابن القوطية أيضا ومن العلماء من يجيز الفتح والكسر فيهما مصادركن أو أسماء نحو الممال والمميل والمبات والمبيت وإن كان معتل اللام بالياء فالمفعل بالفتح للمصدر والاسم أيضا نحو رمى مرمى وهذا مرماه وشذ بالكسر المعصية والمحمية قال ابن السراج ولم يأت مفعل إلا مع الهاء ، وأما مأوى الإبل فبالكسر والمأوى لغير الإبل بالفتح على القياس ، ومنهم من يقول مأوى الإبل بالفتح أيضا ومنهم من يقول وشذ مأقي العين بالكسر قال ابن القطاع هذا مما غلط فيه جماعة من العلماء حيث قالوا وزنه مفعل وإنما وزنه فعلي فالياء للإلحاق بمفعل على التشبيه ولهذا جمع على مآق ولا نظير له وإن كان على فعل بالفتح والمضارع مضموم أو مفتوح صحيحا كان أو غيره فالمفعل بالفتح مطلقا نحو قلع مقلعا أي قلعا وهذا مقلعه أي موضع قلعه وزمانه وقعد مقعدا أي قعودا وهذا مقعده وغزا مغزى وهذا مغزاه ، وقال مقالا وهذا مقاله وقام مقاما وهذا مقامه ورام مراما وهذا مرامه ، قال ابن السراج لأنه يجري على المضارع وكان المصدر يفتح مع المكسور فيفتح مع المفتوح والمضموم أولى ولم يقولوا مفعل بالضم ففتح طلبا للتخفيف لأن الفتح أخف الحركات وجاء الموضع بالفتح والكسر للتخفيف .

                                                            قال ابن السكيت وسمع الفراء " موضع " بالفتح من قولك وضعت الشيء موضعا وشذ من ذلك أحرف فجاءت بالفتح والكسر نحو المسجد والمرفق والمنبت والمحشر والمنسك والمشرق والمغرب والمطلع والمسقط والمسكن والمظنة ومجمع الناس قال الأزهري وآثرت العرب الفتح في هذا الباب تخفيفا إلا أحرفا جعلوا الكسر علامة الاسم والفتح علامة المصدر والعرب تضع الأسماء موضع المصادر .

                                                            وقال الفارابي : الكسر على غير قياس مسموع لأنها كانت في الأصل على لغتين فبنيت هذه الأسماء على اللغتين ثم أميتت لغة وبقي [ ص: 702 ] ما بني عليها كهيئته والعرب قد تميت الشيء حتى يكون مهملا فلا يجوز أن ينطق به وجاءت أيضا أسماء بالكسر مما قياسه الفتح نحو المخزن والمركز والمرسن لموضع الرسن والمنفذ لموضع النفوذ ، وأما المعدن ومفرق الرأس فبالكسر أيضا على تداخل اللغتين لأن في مضارع كل واحد الضم والكسر . وإن كان على فعل بالكسر سالم الفاء فالمفعل للمصدر والاسم بالفتح نحو طمع مطمعا وهذا مطمعه وخاف مخافا وهذا مخافه ونال منالا وهذا مناله وندم مندما وهذا مندمه .

                                                            وفي التنزيل " ( { ومن آياته منامكم } ) " ، وقال { سواء محياهم } وشذ من ذلك المكبر بمعنى الكبر والمحمد بمعنى الحمد فكسرا . وإن كان معتل الفاء بالواو فإن سقطت في المستقبل نحو يهب ويقع فالمفعل مكسور مطلقا ، وإن ثبتت في المستقبل نحو يوجل ويوجع فبعضهم يقول جرى مجرى الصحيح فيفتح المصدر ويكسر المكان والزمان وبعضهم يكسر مطلقا فيقول وجل موجلا وهذا موجله ووحل موحلا وهذا موحله .

                                                            وإن كان فعل بالضم فالمفعل بالفتح للمصدر والاسم أيضا تقول شرف مشرفا وهذا مشرفه قال ابن عصفور وينقاس المفعل اسم مصدر وزمان ومكان من كل ثلاثي صحيح مضارعه غير مكسور فشمل المضموم والمفتوح .

                                                            التالي السابق


                                                            الخدمات العلمية