الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وأقله ) زمنا ( يوم وليلة ) أي قدرهما متصلا وهما أربعة وعشرون ساعة كمن أثناء يوم إلى مثله من اليوم الآخر ، ولهذا قال الشارح : أي قدر ذلك متصلا كما يؤخذ من مسألة تأتي آخر الباب : أي وهي قوله والنقاء بين أقل الحيض حيض ، ومراده بما ذكر أن أقل الحيض من حيث الزمان مقدار يوم وليلة على الاتصال ، وليس المراد أنه لا بد في زمن الأقل من تواني الدم من غير تخلل نقاء كما يتوهم من لفظ الاتصال ، بل متى رأت دما متقطعا ينقص كل منه عن يوم وليلة ، غير أنه إذا جمع بلغ يوما وليلة على الاتصال [ ص: 326 ] كان كافيا في حصول أقل الحيض ( وأكثره خمسة عشر يوما بلياليها ) وإن لم يتصل دم اليوم الأول بليلته كأن رأت الدم أول النهار للاستقراء ، وأما خبر { أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام } فضعيف كما في المجموع ( وأقل طهر بين الحيضتين ) زمنا ( خمسة عشر يوما ) إذ الشهر لا يخلو غالبا عن حيض وطهر ، فإذا كان أكثر الحيض خمسة عشر لزم أن يكون أقل الطهر كذلك ، ولأن ثلاثة أشهر في عدة الآيسة في مقابلة ثلاثة أقراء ، وذلك لأن الشهر إما أن يجمع أكثر الحيض وأقل الطهر أو عكسه أو أقلهما أو أكثرهما ، لا سبيل إلى الثاني والرابع لأن أكثر الطهر غير محدود ، ولا إلى الثالث لأنه أقل من شهر فتعين الأول ، فثبت أن أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يوما ، وخرج بقوله بين الحيضتين الطهر بين حيض ونفاس فيجوز كونه أقل من ذلك سواء أكان الحيض متقدما على النفاس أم متأخرا عنه وكان طروه بعد بلوغ النفاس أكثره كما في المجموع ، فإن طرأ قبل أن يبلغ أكثره لم يكن حيضا [ ص: 327 ] إلا إذا فصل بينهما خمسة عشر يوما ، وغالب الحيض ست أو سبع ، وباقي الشهر غالب الطهر لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش { تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة كما تحيض النساء ، ويطهرن ميقات حيضهن وطهرهن } أي التزمي الحيض وأحكامه فيما أعلمك الله من عادة النساء من ستة أيام أو سبعة ، والمراد غالبهن لاستحالة اتفاق الكل عادة ( ولا حد لأكثره ) أي الطهر إجماعا ، فقد لا تحيض المرأة في عمرها إلا مرة وقد لا تحيض أصلا ، ولو اطردت عادة امرأة بأن تحيض دون يوم وليلة أو أكثر من خمسة عشر يوما أو تطهر دونها لم يتبع ذلك لأن بحث الأولين أتم وأوفى ، واحتمال دم فاسد للمرأة أقرب من خرق العادة ، ولا يشكل على ذلك خرقهم لها برؤية امرأة دما بعد سن اليأس حيث حكموا بأنه حيض وأبطلوا به تحديدهم له بما مر ، لأن الاستقراء وإن كان ناقصا فيهما لكنه هنا أتم بدليل عدم الخلاف عندنا فيه بخلافه ، ثم لما يأتي من الخلاف القوي في سنه ، وفي أن المراد نساء عشيرتها أو كل النساء وعليه المدار في سائر الأزمنة أو زمنها ، فهذا كله يؤذن بضعف الاستقراء فلم يلتزموا فيه ما التزموه في الحيض .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : زمنا ) تمييز محول عن المضاف : أي أقل زمنه يوم إلخ .

                                                                                                                            ودفع به ما أورد عليه من أن الضمير في أقله راجع للدم واسم التفضيل بعض ما يضاف إليه ، فكأنه قال : وأقل دم الحيض يوم وليلة وهو لا يجوز لما فيه من الإخبار باسم الزمان عن الجثة ، وإنما آثر ذكر التمييز على تقدير المضاف لما فيه من الاختصار وعدم تغيير الإعراب لأنه إن قدره بين المتضايفين فقال وأقل زمنه غير صورة المتن بتصيير الهاء مكسورة بعد أن كانت مضمومة وفصل بين المتضايفين ، وإن أخر البيان عن المتن فقال : أي أقل زمنه بعد وأقله أدى إلى طول فما ذكره أخصر وأولى ( قوله : أي قدرهما ) فسر بذلك ليشمل نحو من الظهر لمثله من اليوم الثاني ا هـ سم على منهج ( قوله : متصلا ) قيد به لأنه في بيان الأقل ، ولا يتصور الأقل إلا مع الاتصال ، إذ لو تخلل نقاء فإما أن يبلغ مجموع الدماء المتفرقة يوما وليلة أم لا ، فإن كان الأول لزم الزيادة على الأقل لأن النقاء حينئذ حيض ، وإن كان الثاني فلا حيض حينئذ ، ثم رأيت شيخنا البرلسي ذكر نحو ذلك فلله الحمد تأمل ا هـ سم على منهج ( قوله : ومراده ) [ ص: 326 ] أي الشارح ( قوله : في حصول أقل الحيض ) فيه نظر فإنه والحالة ما ذكر يكون زمن النقاء والدم حيضا على الأظهر الآتي ، فلا يكون ذلك من الأقل بل من الأكثر أو الغالب ، ومن ثم قال عميرة : فالحاصل أن تحقق وجود الأقل فقط لا يكون إلا مع الاتصال ، إذ لو فرض نقاء في خلال دم اليوم والليلة زاد الحيض عن الأقل ا هـ .

                                                                                                                            أقول : ويمكن الجواب بأن هذا المجموع هو أقل دم الحيض ، ثم إن قلنا باللفظ كان هو الحيض دون النقاء المتحلل ، وإن قلنا بالسحب وهو الأظهر كان في المجموع أقل دم الحيض ، وحكم على النقاء بأنه حيض تبعا ، فزمن الدم والنقاء كله حيض شرعا والدم الحاصل فيه هو أقل دم الحيض ( قوله : كأن رأت الدم إلخ ) أي فتكمل الليالي لليلة السادسة عشرة ، فليس المراد أن أكثره ينتهي بغروب شمس الخامس عشر في هذه الصورة كما قد يتوهم ، ولو قال وأكثره خمسة عشر بلياليها وإن تأخرت ليلة اليوم الأول عنه كان أوضح ( قوله : للاستقراء ) قال الشيخ عميرة : قالوا لأن ما لا ضابط له في اللغة ولا الشرع يحمل على العرف ، وهذا يقتضي تقدم اللغة على العرف ، ويخالفه قول الأصوليين : إن اللفظ يحمل أولا على الشرعي ثم العرفي ثم اللغة ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            ويمكن الجواب بأن العرف يقدم على اللغة في بيان مدلول اللفظ ، وما هنا ليس منه بل من بيان الضابط المطرد الذي هو كالقاعدة ، ويجوز أن أهل الأصول لم يتعرضوا له ( قوله : إذ الشهر إلخ ) انظر أي حاجة لهذا القيد وهلا اقتصر على أن الشهر قد يجتمع فيه ذلك فإنه يثبت المطلوب ا هـ سم على منهج . قلت : قد يقال ذكره لكونه المطابق للواقع وإن لم يتوقف ثبوت المطلوب عليه ( قوله : لزم أن يكون أقل الطهر إلخ ) لا يمنع هذا اللزوم بأن يتوقف على كون الشهر لا يخلو غالبا عن أكثر الحيض ، وهو ممنوع لأن هذا التوقف باطل ولا يضر خلوه غالبا عن أكثر الحيض ، فإنه لو خلا عن الأكثر لزم خلوه عنه دائما أو غالبا ، وهو باطل في الأول بالوجود غير مضر في الثاني لحصول المطلوب في الفرد النادر ا هـ سم على منهج ( قوله : لا سبيل إلى الثاني ) هو قوله أو عكسه ، وقوله : والرابع هو قوله أو أكثرهما ، وقوله [ ص: 327 ] ولا إلى الثالث هو قوله أو أقلهما ، وقوله فتعين الأول هو قوله أن يجمع أكثر إلخ ( قوله : إلا إذا فصل بينهما إلخ ) كون الفاصل خمسة عشر يوما محله إذا كان الدم الطارئ قبل مجاوزة ستين يوما ، أما لو كان بعدها كأن انقطع دم النفاس في خمسين يوما ثم عاد في واحد وستين فإنه حيض مع كون الفاصل في هذه أقل من خمسة عشر ، ثم رأيت في سم على منهج ما يصرح بذلك ( قوله : وغالب الحيض ) تتميم الأقسام ، ولعل الحكمة في عدم ذكر المصنف له أنه لم يتعلق به حكم مما قصد المصنف ذكره ( قوله : لحمنة ) هي بالحاء المهملة المفتوحة والميم الساكنة ( قوله : تحيضي ) في المختار وتحيضت : أي قعدت أيام حيضها عن الصلاة ا هـ ، وعليه فمعنى تحيضي اقعدي عن الصلاة : أي اتركيها ، والمناسب أن يقرأ كما تحيض بفتح التاء وتشديد الياء ولكن المسموع من أفواه المشايخ فتح التاء وسكون الياء وهو المناسب لقوله ويطهرن ( قوله : في علم الله ) أي فيما علم الله لك من المدة ( قوله : ميقات حيضهن ) أي ذلك ميقات إلخ ، ويجوز نصبه بدلا من ستة ( قوله : من عادة النساء ) هذا الدليل ظاهر فيما قصده الشارح من أن غالب الحيض ست أو سبع لكنه لا يطابق ما يأتي في بيان أحكام المستحاضة لأن مقتضى الحديث أنها تتخير بين الست والسبع وإن لم يسبق لها عادة ، وهو كما ترى مخالف لما يأتي في كلام المصنف ( قوله : لاستحالة إلخ ) قد يقال كما يستحيل اتفاق الكل عادة يستحيل عادة اطلاعها على حال غالب جميع النساء ، فكيف تؤمر بموافقة ما لا يمكنها الاطلاع عليه إلا أن يراد بهن من يبلغها حاله منهن بواسطة استقراء المستقرئين سم على بهجة ( قوله : لم يتبع ذلك ) أي فلا يحكم بأنه دم حيض بل استحاضة ( قوله : وأوفى ) عطف تفسير ( قوله : بما مر ) أي وهو اثنتان وستون سنة ( قوله : فيهما ) أي في الحيض وسن اليأس ( قوله : عدم الخلاف ) أي الخلاف المشهور وإلا فهناك قول للشافعي بأن أقله يوم وقول بأن أقله مجة وهما غريبان .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 326 ] قوله : كان كافيا في حصول أقل الحيض ) يشكل عليه تسميتهم النقاء الحاصل بين أوقات الدم حيضا ، والمتعين كما لا يخفى ما فهمه الشهاب البرلسي من كلام الشارح المحقق وتبعه عليه تلميذه الشهاب ابن قاسم من أن ذلك يكون كافيا في تسمية ما ذكر حيضا ، ولكن لا يكون الأقل ، وعبارة الشهاب البرلسي بعد أن قرر كلام الشارح المحقق على ما ذكرنا نصها : فالحاصل أن تحقق وجود الأقل فقط لا يكون إلا مع الاتصال ، إذ لو فرض نقاء في خلال دم اليوم والليلة زاد الحيض عن الأقل انتهت ( قوله : لزم أن يكون إلخ ) فيه نظر ظاهر وكذا في التعليل بعده [ ص: 327 ] قوله : تحيضي في علم الله إلخ ) تحيضي بفتح أوله وتشديد التحتية المفتوحة أيضا : أي اقعدي عن الصلاة




                                                                                                                            الخدمات العلمية