الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          طبع

                                                          طبع : الطبع والطبيعة : الخليقة والسجية التي جبل عليها الإنسان . والطباع : كالطبيعة ، مؤنثة ; وقال أبو القاسم الزجاجي : الطباع واحد مذكر كالنحاس والنجار ، قال الأزهري : ويجمع طبع الإنسان طباعا وهو ما طبع عليه من طباع الإنسان في مأكله ومشربه وسهولة أخلاقه وحزونتها وعسرها ويسرها وشدته ورخاوته وبخله وسخائه . والطباع : واحد طباع الإنسان ، على فعال مثل مثال ، اسم للقالب وغرار مثله ; قال ابن الأعرابي : الطبع المثال . يقال : اضربه على طبع هذا وعلى غراره وصيغته وهديته أي على قدره . وحكى [ ص: 87 ] اللحياني : له طابع حسن ، بكسر الباء ، أي طبيعة ; وأنشد :


                                                          له طابع يجري عليه ، وإنما تفاضل ما بين الرجال الطبائع



                                                          وطبعه الله على الأمر يطبعه طبعا : فطره . وطبع الله الخلق على الطبائع التي خلقها فأنشأهم عليها وهي خلائقهم يطبعهم طبعا : خلقهم ، وهي طبيعته التي طبع عليها وطبعها والتي طبع ; عن اللحياني لم يزد على ذلك ، أراد التي طبع صاحبها عليها . وفي الحديث : ( كل الخلال يطبع عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب ) ; أي يخلق عليها . والطباع : ما ركب في الإنسان من جميع الأخلاق التي لا يكاد يزاولها من الخير والشر . والطبع : ابتداء صنعة الشيء ، تقول : طبعت اللبن طبعا ، وطبع الدرهم والسيف وغيرهما يطبعه طبعا : صاغه . والطباع : الذي يأخذ الحديدة المستطيلة فيطبع منها سيفا أو سكينا أو سنانا أو نحو ذلك ، وصنعته الطباعة ، وطبعت من الطين جرة : عملت ، والطباع : الذي يعملها . والطبع : الختم وهو التأثير في الطين ونحوه . وفي نوادر الأعرابي : يقال قذذت قفا الغلام إذا ضربته بأطراف الأصابع ، فإذا مكنت اليد من القفا قلت : طبعت قفاه ، وطبع الشيء وعليه يطبع طبعا : ختم . والطابع والطابع ، بالفتح والكسر : الخاتم الذي يختم به ; الأخيرة عن اللحياني وأبي حنيفة . والطابع والطابع : ميسم الفرائض . يقال : طبع الشاة . وطبع الله على قلبه : ختم ، على المثل . ويقال : طبع الله على قلوب الكافرين - نعوذ بالله منه - أي ختم فلا يعي وغطى ولا يوفق لخير . وقال أبو إسحاق النحوي : معنى طبع في اللغة وختم واحد ، وهو التغطية على الشيء والاستيثاق من أن يدخله شيء كما قال الله تعالى : أم على قلوب أقفالها ، وقال عز وجل : كلا بل ران على قلوبهم ; معناه غطى على قلوبهم ، وكذلك طبع الله على قلوبهم ; قال ابن الأثير : كانوا يرون أن الطبع هو الرين ، قال مجاهد : الرين أيسر من الطبع ، والطبع أيسر من الإقفال ، والإقفال أشد من ذلك كله ، هذا تفسير الطبع ، بإسكان الباء ، وأما طبع القلب ، بتحريك الباء ، فهو تلطيخه بالأدناس ، وأصل الطبع الصدأ يكثر على السيف وغيره . وفي الحديث : ( من ترك ثلاث جمع من غير عذر طبع الله على قلبه ) ; أي ختم عليه وغشاه ومنعه ألطافه ; الطبع ، بالسكون : الختم ، وبالتحريك : الدنس ، وأصله من الوسخ والدنس يغشيان السيف ، ثم استعير فيما يشبه ذلك من الأوزار والآثام وغيرهما من المقابح . وفي حديث الدعاء : ( اختمه بآمين فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة ) ; الطابع ، بالفتح : الخاتم ، يريد أنه يختم عليها وترفع كما يفعل الإنسان بما يعز عليه . وطبع الإناء والسقاء يطبعه طبعا وطبعه تطبيعا فتطبع : ملأه . وطبعه : ملؤه . والطبع : ملؤك السقاء حتى لا مزيد فيه من شدة ملئه . قال : ولا يقال للمصدر : طبع لأن فعله لا يخفف كما يخفف فعل ملأت . وتطبع النهر بالماء : فاض به من جوانبه وتدفق . والطبع ، بالكسر : النهر ، وجمعه أطباع ، وقيل : هو اسم نهر بعينه ; قال لبيد :


                                                          فتولوا فاترا مشيهم     كروايا الطبع همت بالوحل



                                                          وقيل : الطبع هنا الملء ، وقيل : الطبع هنا الماء الذي طبعت به الراوية أي ملئت . قال الأزهري : ولم يعرف الليث الطبع في بيت لبيد فتحير فيه ، فمرة جعله الملء ، وهو ما أخذ الإناء من الماء ، ومرة جعله الماء ، قال : وهو في المعنيين غير مصيب . والطبع في بيت لبيد النهر ، وهو ما قاله الأصمعي ، وسمي النهر طبعا لأن الناس ابتدءوا حفره ، وهو بمعنى المفعول كالقطف بمعنى المقطوف ، والنكث بمعنى المنكوث من الصوف ، وأما الأنهار التي شقها الله تعالى في الأرض شقا مثل دجلة والفرات والنيل وما أشبهها فإنها لا تسمى طبوعا ، إنما الطبوع الأنهار التي أحدثها بنو آدم واحتفروها لمرافقهم ; قال : وقول لبيد : همت بالوحل ، يدل على ما قاله الأصمعي ; لأن الروايا إذا وقرت المزايد مملوءة ماء ثم خاضت أنهارا فيها وحل عسر عليها المشي فيها والخروج منها ، وربما ارتطمت فيها ارتطاما إذا كثر فيها الوحل ، فشبه لبيد القوم الذين حاجوه عند النعمان بن المنذر فأدحض حجتهم حتى زلقوا فلم يتكلموا ، بروايا مثقلة خاضت أنهارا ذات وحل فتساقطت فيها ، والله أعلم . قال الأزهري : ويجمع الطبع بمعنى النهر على الطبوع ، سمعته من العرب . وفي الحديث : ( ألقى الشبكة فطبعها سمكا ) ; أي ملأها . والطبع أيضا : مغيض الماء وكأنه ضد ، وجمع ذلك كله أطباع وطباع . وناقة مطبعة ومطبعة : مثقلة بحملها على المثل كالماء ; قال عويف القوافي :


                                                          عمدا تسديناك وانشجرت بنا     طوال الهوادي مطبعات من الوقر



                                                          قال الأزهري : والمطبع الملآن ; عن أبي عبيدة ; قال : وأنشد غيره :


                                                          أين الشظاظان وأين المربعه ؟     وأين وسق الناقة المطبعه ؟



                                                          ويروى الجلنفعه . وقال : المطبعة المثقلة . قال الأزهري : وتكون المطبعة الناقة التي ملئت لحما وشحما فتوثق خلقها . وقرية مطبعة طعاما : مملوءة ; قال أبو ذؤيب :

                                                          فقيل :

                                                          تحمل فوق طوقك إنها     مطبعة ، من يأتها لا يضيرها



                                                          وطبع السيف وغيره طبعا ، فهو طبع : صدئ ; قال جرير :


                                                          وإذا هززت قطعت كل ضريبة     وخرجت لا طبعا ولا مبهورا



                                                          قال ابن بري : هذا البيت شاهد الطبع الكسل . وطبع الثوب طبعا : اتسخ . ورجل طبع : طمع متدنس العرض ذو خلق دنيء لا يستحيي من سوأة . وفي حديث عمر بن عبد العزيز : ( لا يتزوج من الموالي في العرب إلا الأشر البطر ، ولا من العرب في الموالي إلا الطمع الطبع ) ; وقد طبع طبعا ; قال ثابت بن قطنة :


                                                          لا خير في طمع يدني إلى طبع     وغفة من قوام العيش تكفيني



                                                          [ ص: 88 ] قال شمر : طبع إذا دنس ، وطبع وطبع إذا دنس وعيب ; قال : وأنشدتنا أم سالم الكلابية :


                                                          ويحمدها الجيران والأهل كلهم     وتبغض أيضا عن تسب فتطبعا



                                                          قال : ضمت التاء وفتحت الباء وقالت : الطبع الشين فهي تبغض أن تطبع أي تشان ; وقال ابن الطثرية :


                                                          وعن تخلطي في طيب الشرب بيننا     من الكدر المأبي ، شربا مطبعا



                                                          أراد أن تخلطي ، وهي لغة تميم . والمطبع : الذي نجس ، والمأبي : الماء الذي تأبى الإبل شربه . وما أدري من أين طبع أي طلع . وطبع : بمعنى كسل . وذكر عمرو بن بحر الطبوع في ذوات السموم من الدواب ، سمعت رجلا من أهل مصر يقول : هو من جنس القردان إلا أن لعضته ألما شديدا ، وربما ورم معضوضه ، ويعلل بالأشياء الحلوة . قال الأزهري : هو النبر عند العرب ; وأنشد الأصمعي وغيره أرجوزة نسبها ابن بري للفقعسي ، قال : ويقال إنها لحكيم ابن معية الربعي :

                                                          إنا إذا قلت طخارير القزع     وصدر الشارب منها عن جرع
                                                          نفحلها البيض القليلات الطبع     من كل عراض ، إذا هز اهتزع
                                                          مثل قدامى النسر ما مس بضع     يئولها ترعية غير ورع
                                                          ليس بفان كبرا ولا ضرع     ترى برجليه شقوقا في كلع
                                                          من بارئ حيص ودام منسلع



                                                          وفي الحديث : ( نعوذ بالله من طمع يهدي إلى طبع ) ; أي يؤدي إلى شين وعيب ; قال أبو عبيد : الطبع الدنس والعيب ، بالتحريك . وكل شين في دين أو دنيا فهو طبع . وأما الذي في حديث الحسن : وسئل عن قوله تعالى : لها طلع نضيد ، فقال : ( هو الطبيع في كفراه ) ; الطبيع ، بوزن القنديل : لب الطلع ، وكفراه وكافوره : وعاؤه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية