الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وأطفال الكفار في النار ، وعنه الوقف ، واختار ابن عقيل وابن الجوزي في الجنة كأطفال المسلمين . ومن بلغ منهم مجنونا ، واختار [ ص: 184 ] شيخنا تكليفهم في القيامة ، للأخبار ومثلهم من بلغ منهم مجنونا ، فإن جن بعد بلوغه فوجهان ( م 8 ) وظاهره يتبع أبويه بالإسلام كصغير ، فيعايا بها . ونقل ابن منصور فيمن ولد أعمى أبكم أصم وصار رجلا : وهو بمنزلة [ ص: 185 ] الميت هو مع أبويه وإن كانا مشركين ثم أسلما بعد ما صار رجلا ، قال : هو معهما ، ويتوجه مثلهما من لم تبلغه الدعوة ، وقاله شيخنا وذكر في الفنون عن أصحابنا : لا يعاقب ، قال : وإذا منع حائل البعد شروط التكليف فأولى فيهما ، ولعدم جواز إرسال رسول إليهما بخلاف أولئك ، وقال : إن عفو الله عن الذي كان يعامل ويتجاوز لأنه لم تبلغه الدعوة وعمل بخصلة من الخير .

                                                                                                          وفي نهاية المبتدئ : لا يعاقب ، وقيل : بلى إن قيل بحظر الأفعال قبل الشرع .

                                                                                                          وقال ابن حامد : يعاقب مطلقا لقوله تعالى : { أيحسب الإنسان أن يترك سدى } وهو عام ، ولأن الله ما أخلى عصره من قائم له بحجة ، كذا قال .

                                                                                                          ولأحمد ومسلم عن أبي هريرة مرفوعا { والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار } قال في شرح مسلم : خص اليهود والنصارى للتنبيه لأن لهم كتابا ، قال : وفي مفهومه إن لم تبلغه دعوة الإسلام فهو معذور ، قال : وهذا جار على ما تقرر في الأصول لا حكم قبل ورود الشرع ، على الصحيح . قال القاضي أبو يعلى في قوله : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } في هذا دليل على أن معرفة الله لا تجب عقلا ، وإنما تجب بالشرع ، وهو بعثة الرسل وأنه لو مات الإنسان قبل ذلك لم يقطع عليه بالنار .

                                                                                                          قال : وقيل : معناه أنه لا يعذب فيما طريقه السمع إلا بقيام حجة السمع [ ص: 186 ] من جهة الرسول ولهذا قالوا : لو أسلم بعض أهل الحرب في دار الحرب ولم يسمع بالصلاة والزكاة ونحوها لم يلزمه قضاء شيء منها ، لأنها لم تلزمه إلا بعد قيام حجة السمع .

                                                                                                          والأصل فيه قصة أهل قباء حين استداروا إلى الكعبة ولم يستأنفوا . ولو أسلم في دار الإسلام ولم يعلم بفرض الصلاة قالوا : عليه القضاء ; لأنه قد رأى الناس يصلون في المساجد بأذان وإقامة ، وذلك دعا إليها ، ذكر ذلك ابن الجوزي ، ولم يزد عليه ، فدل على موافقته . والمشهور في أصول الدين عن أصحابنا أن معرفة الله تعالى وجبت شرعا ، نص عليه ، وقيل : عقلا ، وهي أول واجب لنفسه ، ويجب قبلها النظر لتوقفها عليه ، فهو أول واجب لغيره ، ولا يقعان ضرورة ، وقيل : بلى ، وكذا إن أعدما أو أحدهما بلا موت ، كزنا ذمية ولو بكافر ، أو اشتباه ولد مسلم بولد كافر ، نص عليهما ، قال القاضي : أو وجد بدار حرب ، وقال في مسألة الاشتباه : تكون القافة في هذا ؟ قال : ما أحسنه ، وإن لم يكفرا ولدهما ومات طفلا دفن في مقابرنا ، نص عليه واحتج بقوله { فأبواه يهودانه } قال صاحب النظم . كلقيط ، ويتوجه كالتي قبلها ، ويدل على خلاف النص عن أبي هريرة مرفوعا { ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه فقال رجل : [ ص: 187 ] يا رسول الله أرأيت لو مات قبل ذلك ؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين } متفق عليه .

                                                                                                          وفي مسلم { على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه } وفسر أحمد الفطرة فقال : التي فطر الله الناس عليها ، شقي أو سعيد ، قال القاضي : المراد به الدين ، من كفر أو إسلام ، قال : وقد فسر أحمد هذا في غير موضع ، وذكر الأثرم : معناه على الإقرار بالوحدانية حين أخذهم من صلب آدم { وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى } وبأن له صانعا ومدبرا وإن عبد شيئا غيره وسماه بغير اسمه وأنه ليس المراد على الإسلام ; لأن اليهودي يرثه ولده الطفل ، إجماعا ، ونقل يوسف : الفطرة التي فطر الله العباد عليها ، وقيل له في رواية الميموني : هي التي فطر الله الناس عليها الفطرة الأولى ؟ قال : نعم . قال ابن حامد : اختلف قوله في تعذيب أطفال المشركين والكلام منه في ذلك مبني على ما مقالته في تفسير الفطرة .

                                                                                                          ثم ذكر هذه الروايات . وقال ابن عقيل : المراد به يحكم بإسلامه ما لم يعلم له أبوان كافران ، ولا يتناول من ولد بين كافرين لأنه انعقد كافرا ، كذا قال . وإن بلغ ممسكا عن إسلام وكفر قتل قاتله ، وفيه احتمال ، وقيل : يقتل إن حكم بإسلامه بما تقدم ، لا بالدار . ذكره أبو الخطاب وغيره .

                                                                                                          [ ص: 183 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 183 ] تنبيه ) قوله : " وأطفال الكفار في النار ، وعنه الوقف ، واختار ابن عقيل وابن الجوزي في الجنة " انتهى .

                                                                                                          [ ص: 184 ] قال ابن حمدان في نهاية المبتدئين : وعنه الوقف ، واختاره ابن عقيل وابن الجوزي وأبو محمد المقدسي ، انتهى . فخالف المصنف في النقل عن ابن عقيل وابن الجوزي ، وزاد الشيخ الموفق ، والذي رأيته في المغني أنه نقل رواية الوقف واقتصر عليها .

                                                                                                          وقال الشيخ عبد الله كتيله في كتاب العدة : ذكر شيخ مشايخي في المغني في كتاب الجهاد أن أحمد سئل عن أولاد المجوس يموت أحدهم وهو ابن خمس سنين ؟ فقال : يدفن في مقابر المسلمين لقوله عليه السلام { فأبواه يهودانه أو يمجسانه } يعني أنهما لم يمجساه فبقي على الفطرة .

                                                                                                          وسئل الإمام أحمد عن أولاد المشركين فقال : أذهب إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم { . الله أعلم بما كانوا عاملين ، } وقال أيضا الإمام أحمد ، نحن نمر هذه الأحاديث على ما جاءت ولا نقول شيئا ، انتهى . ولم أر ذلك في المغني .

                                                                                                          ( مسألة 8 ) قوله : " ومثلهم من بلغ مجنونا ، فإن جن بعد بلوغه فوجهان " ، انتهى .

                                                                                                          ( أحدهما ) هو في النار وإن قلنا أطفال الكفار في الجنة ، وهو الظاهر إذا جن بعد تكليفه ، وهو الصواب ، حيث تمكن من الإسلام ، وهو ظاهر كلام الأصحاب وغيرهم .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) هو كأطفال الكفار ، ولعل الخلاف إذا جن قريبا من البلوغ ، وهو الظاهر ، وقول المصنف ، بعد بلوغه ، فيه إيهام ، والصواب ما قلناه بحيث إن يتمكن من الإسلام . فهذه ثمان مسائل في هذا الباب .




                                                                                                          الخدمات العلمية